يعد وجود المحلفين في المحاكمات، أحد أهم وأقدم أشكال الممارسات القضائية في العالم، وهي ممارسة تتيح للمجتمع الانخراط مباشرة في حماية العدالة وفحص تفاصيل القضايا.

في هذا المقال أقدم اقتراحا بدراسة إمكانية تشكيل هيئة من أفراد المجتمع، وفق شروط وضوابط معينة، للمشاركة في حضور المحاكمات وإبداء وجهات النظر حيال القضايا المنظورة.

هذا الشكل من الحضور الاجتماعي لمجالس القضاء، نجده عبر مراحل التاريخ، ولعل أهمها ما كان يحدث في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة، إذ كان الصحابة مستشارين يشهدون مجلس النبي حين يقر فتوى أو يفصل في نزاع أو يعزم على أمر.

وتعد هذه الهيئة الاستشارية الاجتماعية، هيئة غير دائمة بحيث تنعقد لكل قضية على حدة، فأفرادها ليسوا موظفين، وهذا يضمن تطبيق أعلى معايير النزاهة والحياد، إذ يسهل حينها استبدال أي عضو يثبت أن لديه موقفا شخصيا من أطراف القضية أو المحامي أو القاضي، أو إن كان موضوع القضية يمسه مباشرة، بأي شكل من الأشكال.

كما أن وجود هذه الهيئة سيكون له بالغ الأثر في فهم تفاصيل القضية، وتعدد القراءات حولها، ما يضمن درجة عالية من الموثوقية والفهم للتفاصيل كافة. إذ تواجه المحاكم أحيانا قضايا معقدة تصل لوائحها إلى مئات الصفحات، وتمتلئ بالتفاصيل والاسترسالات، وقد يؤدي هذا إلى صعوبة دراسة المعطيات كافة. ومن هنا فإن وجود الهيئة الاستشارية الاجتماعية، إضافة لتمكين الوكلاء والمحامين من المرافعات الشفوية أمام منصة القضاء والهيئة، سيكون مؤثرا جدا في سير المحاكمات وجودة الإجراءات القضائية، وسوف يكون سببا لتمكين أطراف الدعاوى من السبل كافة، لشرح مواقفهم ومطالبهم.

من جهة أخرى، سوف ينعكس هذا الإجراء بشكل مباشر على الثقافة القانونية في المجتمع، إذ يتوقع أن تتسع مساحة فهم القوانين لدى عامة الناس، كلما زاد عدد المشاركين في هذه الهيئات.