في مقال بهذه الزاوية بعنوان «وزارة العدل نموذج للبقية» كان الحديث عن قفزات وزارة العدل في خدماتها، وكيف سخرت التقنية والتواصل بين جميع قطاعاتها، فلم يعد القاضي بحاجة لورقة رسمية تصل إليه من كتابة العدل مذيلة بـ«أي كشط أو تعديل على هذه الوكالة تعتبر ملغاة»، أو «يمنع تغليفها»؛ لأنك وإن كشطت أو عدلت أو غلفتها لإخفاء التزوير فلم يعد ذلك مجديا، فكل شيء حتى الصك الصادر من عشرات الصفحات لم يعد بحاجة لختم القاضي، فقط بحاجة لتوقيع إلكتروني عبارة عن «باركود»؛ للتحقق من صحته كما سجل في النظام، بل وأتيح للجميع. ولكن كان هناك جزئية بالمقال عن حالة أحد العمالة والذي يعيش حياة التشرد وما زال على هذا الحال رغم أنه صدر له حكم شرعي يقضي بتسليمه رواتبه وتذاكر سفره وتأشيرة خروج نهائي له، ونفذت الجهة المدعى عليها الحكم، إلا تأشيرة الخروج النهائي، لأن هذا العامل مسجل عليه «بلاغ هروب»، فلا بد من الذهاب أولا لمكتب العمل ليلغي «بلاغ الهروب»، وبعد الذهاب لهم قالوا ببساطة «اذهبوا للجوازات وأحضروا لنا أنه ليس من اختصاصهم إلغاء بلاغ الهروب هذا، لأن الحكم بتأشيرة الخروج النهائي وهذه التأشيرة من اختصاصهم»، وبعد الذهاب للجوازات قالوا إنهم يحتاجون خطابا من «محكمة التنفيذ» بهذا الأمر، وكأن الصك الصادر لا يعتبر خطابا واجب التنفيذ، خصوصا وأنه قد كتب بأسفله «يطلب من جميع الوزارات والأجهزة الحكومية تنفيذ هذا الحكم بجميع الوسائل النظامية المتبعة... إلخ».

وبعد الذهاب لمحكمة التنفيذ، وتعاونا من القاضي فقد كتب خطابا إلى الجوازات يطلب فيه تنفيذ الحكم، ولأن الإرسالية من جهة حكومية إلى أخرى، فقد تم إرسالها بالبريد الرسمي (المناولة يدويا)، والذي يتم تجميعه نهاية اليوم من الجهة الحكومية، ويفرز في اليوم التالي ويصل الجهة الحكومية الأخرى في اليوم التالي للفرز في أسرع السيناريوهات لهذه الإرساليات، وبالفعل تم الانتظار ثلاثة أيام حتى وصل هذا البريد الرسمي من محكمة التنفيذ إلى الجوازات، وردت الجوازات بـ«أن العامل عليه بلاغ هروب، ويجب أولا أن يلغى من مكتب العمل»، ولأجل هذه الكلمات التي لا تتعدى سطرا واحدا، تم إرجاع المعاملة إلى محكمة التنفيذ مرة أخرى، ولمدة 3 أيام أخرى حتى يصلها، وحتى يتم الرد من المحكمة والإرسال لمكتب العمل فتحتاج ثلاثة أيام وهكذا، وهذا «المطارد» هو حال عشرات الآلاف من المواطنين، بسبب الآلية المستخدمة في المراسلات الحكومية، بينما نحن في عصر ترسل فيه رسالة من ألاسكا المتجمدة، وتتلقفها وأنت في سهول جيزان أو مرتفعات عسير في جزء من الثانية، ولم تغفل حكومتنا الرشيدة عن هذه الطفرة التقنية من خلال إنشاء برنامج «يسر للتعاملات الحكومية الإلكترونية»، والذي استفادت منه قرابة 93% من الجهات الحكومية، وتم من خلاله إنشاء «النظام الوطني الموحد للمراسلات الحكومية»، ولكنني أعتقد أنه لو تم إنشاء مجموعة إيميلات تجمع الدوائر والجهات الحكومية في كل منطقة مع بعضها، تحت نظام مختصر فقط لمثل هذه «المعمعة» التي ذكرت في هذا المقال، لكان خيرا وحفظا للوقت والجهد لكل من على أرض هذا الوطن، ولتخلصنا من رقم الصادر والوارد الذي يجب أن تعرفه لكل جهة على حدة، فهل سيكون هناك نظام مختصر قد يطلق عليه «يسر للمراسلات الحكومية الإلكترونية».