تصاعد مع موجة التطور الرقمي، اهتمام المجتمعات ببرامج التواصل الاجتماعي، وأصبح استخدامها جزءا لا يتجزأ من حياة الأفراد بل ومن أهم ممارساتهم اليومية. المجتمع السعودي لا يختلف في ذلك كثيرا عن باقي المجتمعات بالطبع، حيث تزايد عدد مستخدمي هذه البرامج، خلال الأعوام الأخيرة من 8.5 ملايين مستخدم إلى 12.8 مليونا، ثم أخيرا وصل عددهم إلى 18.3 مليون مستخدم بما يعادل %58 من تعداد سكان المملكة.

تصدر تطبيق «سناب شات» عدد المستخدمين في المملكة، متفوقا على «تويتر» و«إنستجرام»، إذ جمع 16.85 مليون مستخدم محليا، احتل بهم المركز الخامس عالميا، وفقا لتقرير حديث عن موقع «ستاتيستا» للإحصاءات عن الربع الأول من 2020.

اكتسب البرنامج الشهير شعبيته من إمكانية استخدام الكامير والتقاط الصور، بل وإدراج أصوات وإضافة أغان وملصقات مختلفة تحت ظل من الخصوصية العالية، إذ لم يعتمد التطبيق على أي مقاييس عامة مثل عدد الإعجابات أو المشاركات، وذلك لسبب مرتبط بجوهر فكرة البرنامج المرتكزة بشكل أساسي على التواصل الحقيقي الخالي من الضغوطات والمنافسة.

وتتمحور اهتمامات مستخدميه حول السفر، الرياضة، الطبخ، أخبار السينما والتلفزيون، الأزياء، الموسيقى، ريادة الأعمال، وغيرها كثير من الاهتمامات والهوايات التي لقيت نصيبا وصدى أكبر في هذه المنصة.

غير أننا في الآونة الأخيرة لمسنا تغيرا في المسار العام الذي أوجد من أجله البرنامج (الترفيهي)، خارجا عن كل الاهتمامات السابقة. مبدوءا بهوس الشهرة وكل ما يجر إليها (من قول أو فعل أو عمل)، والتي من منبرها تصدر للعامة بعض الأفكار الدخيلة على المجتمع السعودي المحافظ، وهذا من شأنه أن يحدث شقوقا في نواتها الأولى على مدى بعيد.

صار من الطبيعي تقريبا- تحت بند مشاركة الخصوصيات- أن نرى حربا شعواء بين مشهور وآخر، أو أن أحد المشاهير يلمز آخر والآخر يرد اللمزة باللمزة، أو انتقادات لاذعة من مشهور لآخر، ولكن الغريب والمستهجن و(السّمج) أن نرى نزاعات بين أفراد العائلة الواحدة تطفو علنا ودون مراعاة للذوق العام! وكأن هذه الفئة لا تملك وسيلة للتواصل مع بعضها البعض سوى عبر منبر سناب شات؟!

بل وإنها أصبحت (موضة) تقريبا، حيث التراشق بالاتهامات بين زوج وزوجة، أو الإدلاء بتصريحات حول خلاف زوجي بطريقة تدعو للغثيان، أو نشر صورة من صك طلاق! أو أن تطلب زوجة من زوجها الانفصال أو العودة إليه في مشهد درامي هابط، أو أن يشهر أحدهما بأسرار البيت والتي لا تعني المشاهد في شيء، خلا أنها وسيلة لإخزاء الطرف الآخر من باب تصفية الحسابات أحيانا! وفي أحيان أخرى تكون لحصد المزيد والمزيد من المشاهدات على حساب (مردغة) الكرامة!

متناسين أن للبيوت أسرارها، وأن الأبواب والنوافذ خلقت لتقفل على ما خلفها من قصص، لا لتشرع على مصراعيها لكل من (هب ودب)، وليس لجعل ما يحدث مادة للمشاهدة والتعاطي (مثيرة للشفقة)!

مثل هذه الظاهرة تستوجب استحداث نظام أمني معلوماتي متخصص لتقريع ومحاسبة مثل هؤلاء (الغجر) وحماية الدائرة الفكرية للمتلقي من العبث. ولا يخفى على الواعين إطلاقا أنه لا طريقة أسوأ من هذا التواتر الفعلي لمثل هذه السلوكيات، في إحداث الكارثة، وسوق العقل الجمعي في اتجاه الهاوية، لجعل المكروه مقبولا، والسيئ جيدا، والمنبوذ محببا، والخطأ عاديا جدا ومعتادا!

ما يحدث ألا يدعونا لمساءلة هذه التقليعات (اللا أخلاقية) التي من شأنها مع مرور الوقت برمجة المجتمع على مفاهيم جديدة مغلوطة، من انعدام للخصوصية، وافتقار للاحترام، ومن ثم هدم مبادئ وقيم وقفت عليها الأجيال السابقة وعززتها تربويا ودينيا.

من المؤسف حقا أن الجيل الناشئ في ظل هذه (البهرجة الرقمية) سيكبر على صراع جديد تربوي واجتماعي من شأنه أن يخلق لنا أفرادا مهتزي الشخصية مهترئين من الداخل، محملين بمفاهيم مشوهة عن حياتهم وحياة الآخرين، والأهم من ذلك كله، لا يعول عليهم لإنشاء أسر صحية واعية قادرة على بناء مجتمع واع.