«وقف إطلاق النار، تحصيل إيرادات الجمارك من ميناء الحديدة في حساب مشترك حسب اتفاقية استوكهولم، وفتح مطار صنعاء، والذهاب لمفاوضات سلام».

لا يختلف اثنان على أن النقاط -أعلاه- الواردة في مبادرة الرياض للحل السلمي في اليمن تمثل بداية الطريق للتوصل إلى حل سلمي شامل للصراع في البلاد، وقد نالت المبادرة تأييدا دوليا واسع النطاق، إذ أيدها الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن، وأمين عام الأمم المتحدة وعدد كبير من المنظمات الدولية والإقليمية، كما نظرت إليها قطاعات واسعة من اليمنيين على أساس أنها يمكن أن تشكل الأساس لخروجهم من جحيم الحرب والمواجهات اليومية.

والحقيقة أن النقاط الواردة في المبادرة جاءت بالتشاور مع عدد من الدول والمنظمات الدولية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة والأمم المتحدة، وهو ما يعطيها أبعادا أممية ودولية واسعة.

وبما أن المبادرة قد نالت هذا التأييد الواسع فإن المراقب يرى في الموقف الإيراني الرافض للمبادرة موقفا انتهازيا، يكشف استمرار طهران في توظيف الصراع في اليمن لصالح مشاريعها القومية، بما يجعل اليمن مجرد ورقة ضغط في يد طهران للمساومة على قضايا لا علاقة لها بطموحات اليمنيين، يمكن أن نلحظ الموقف العدائي الواضح لطهران إزاء مبادرة الرياض من خلال عدد ضخم من التغطيات والتناولات الإعلامية التي تصب في مجرى إفشال المبادرة على اعتبار أنها مجرد

«مشروع دائم للحرب والاحتلال»، حسب تعبير حسن إيرلو، الذي عينته طهران سفيرا لها لدى سلطة الميليشيا الانقلابية في صنعاء.

هذه التصريحات تأتي في سياق محاولات إيران لإفشال أي حل سلمي في اليمن من أجل إبقاء البلاد ساحة استنزاف لليمنيين والعرب، خدمة لمشاريع نظام «الولي الفقيه».

إيرلو الذي دعا في تغريدة له «الاحتلال» إلى «سحب قواته» دون أن يشير إلى ماهية هذه «الجحافل» التي يسوِّق لوكلائه في اليمن والمنطقة أنها تحتل اليمن، مع أن لمسؤولي بلاده تصريحات واضحة تتحدث عن سيطرة طهران على أربع عواصم عربية، ومع إرسال نظام بلاده لعشرات آلاف المرتزقة الذين يقاتلون في سورية والعراق ولبنان ويعلنون صراحة تبعيتهم لنظام طهران.

وفي هذا الخصوص، يمكن النظر إلى موقف ميليشيا الحوثي من المبادرة على اعتبار أنه جزء من موقف طهران ومنظومتها المنضوية تحت مسمى «محور المقاومة» الذي تستر كثيرا وراء شعارات فارغة لتغطية أهدافه الحقيقية في الهيمنة على مقدرات شعوب المنطقة.

وعلى كل، فقد جاءت المبادرة السعودية لتسقط ورقة التوت الأخيرة التي تستر عوار يمليشيات الحوثيين، وأظهرت استهتار هذه الجماعة بدماء اليمنيين، في سياق تبعيتها وارتهانها للخارج، وهي الصفة التي ما فتئت وسائل إعلامها تصم بها خصومها من اليمنيين.

وعلى كلٍ، فإننا يمكن أن نقرأ الرفض الحوثي للمبادرة من خلال تصريحات أكثر من قيادي في الميليشيات، وقد صرح محمد عبدالسلام، ناطق الميليشيات بأن المبادرة «لم تأت بجديد»، ناسيا أن جماعته ظلت تدين ما تسميه «إغلاق مطار صنعاء»، وتتباكى على أحوال «المدنيين الذين يعانون جراء منع السفر عبر المطار»، ولما جاءت هذه المبادرة التي تتضمن فتح المطار رد عليها بالقول إنها «لم تأت بجديد».

ومع ذلك فإن الموقف الحوثي المرتبط بالموقف الإيراني من المبادرة سيظل رافضا لها، لا لشيء إلا لكونها جاءت من الرياض التي لا تريد طهران أن ينسب لها أي نجاح دبلوماسي، وهذا هو السبب وراء رفض الحوثيين ومحور طهران للاعتراف بالمبادرة الخليجية، على اعتبار أنها مبادرة سعودية لا يجب أن تنجح، ولا يجوز التسويق لها.

أخيرا: لا يبدو أن السؤال هنا يدور حول موقف طهران والحوثيين من المبادرة، فهذا الموقف بدا واضحا، بل إن السؤال الأهم يتمحور حول موقف واشنطن من رفض الحوثيين للمبادرة، وسقوط مقولات مثل: «العدوان الخارجي على اليمن»، و«الأقلية الحوثية المضطهدة»، وغيرها من المقولات التي أسست لأساطير إعلامية مضللة عن طبيعة الصراع في اليمن.