من أجمل مظاهر الحرب «لو افترضنا أن فيها جمال» هو الجنوح للسلم، كما أمرنا ديننا وحثنا عليه نبينا، إلا أن هذه الغاية لا تتحقق دائما في الحروب، خاصة إذا سيطر طرف خارجي على طرف بعينه مشترك في أي حرب؛ سيطرة تدفع المُسيطر عليه لأن يكون مجرد أداة منفذة لأجندة ذلك الطرف الخارجي، كما هو حاصل حاليا مع الجماعة الحوثية، حيث سيطرت إيران عليها، والتي جعلتها تُحيّد أمن وآمان اليمن وشعبه، وجعلتها أيضا تُركز كل جهودها على استمرار الحرب بعد أن رأت رأي العين حجم التخاذل الدولي نحوها، ونحو مختلف سلوكياتها الإجرامية.

ويشهد على صحة وجود التدخل الإيراني التحريضي، أن هذه الجماعة الإرهابية في جميع تحركاتها ومطالبها تسعى لتغليب مصالح إيران على مصالحها ومنافعها هي، وكذلك على مصالح المتضررين من هذه الحرب، وهم شعبها اليمني المكلوم، والذي من المفترض أن تكون سلامته والحفاظ على نجاته أهم ما يجب أن يتطلع إليه أفراد وقادة هذه الجماعة، إلا أن الواقع يقول عكس ذلك تماما، حيث أثبت هذا الواقع الذي أتحدث عنه، أن مثل هذه الأمور العظام لا تمثل لهذه الجماعة الإرهابية أي أهمية، ولا تُمثل لها أي ضرورة يجب أن تُراعى وأن يُهتم بها حتى تُخلّص بلدها ومواطنيها من أي أمر يهدد سلامتهم، أو حتى بقائهم على قيد الحياة.

ولقد سبق وأن طُرح على هذه الجماعة المنشقة عدة حلول كان بإمكانها إنهاء هذه الحرب والوصول إلى توافق يثمر عن نتائج مرضية للجميع، ومن بين هذه المحاولات التي تم تقديمها؛ الاجتماع الذي رعته دولة الكويت، والتي سعت فيه الكويت مخلصة لإيجاد حل ناجع لهذه الحرب، إلا أن الحوثي ظل يناور ويتآمر على إفشال هذه المحاولة حتى تحقق له ذلك، ثم تبع هذه المحاولة محاولة أخرى في مدينة «ستوكهولم» عاصمة السويد، إلا أن الحوثيين نجحوا أيضا في إفشالها، وذلك بعدم تطبيق مخرجاتها التي وافقوا عليها ثم انقلبوا عليها. وسبب هذه العنجهية الحوثية في التعامل مع المحاولات سالفة الذكر، يكمن في الغياب التام لأي غطاء أممي جاد يرعى ما ذكرته من محاولات، ويضمن تنفيذ كل ما يتم الاتفاق عليه، وهذا الغياب هو ما جعل الحوثيين يتمادون في إجرامهم وتنكيلهم بالشعب اليمني والاعتداء على جواره السعودي ومنشآته المدنية.

وهذا الغياب الدولي المهم هو ما تم تلافيه في المبادرة السعودية الحالية بذكاء شديد، ليس لضمان تنفيذ المبادرة فقط، وإنما لكشف حقيقة الطرف الذي يتلاعب ويناور في تعامله مع الحلول السابقة، ويتلخص هذا الذكاء السعودي بصورة أو بأخرى في اجبار المجتمع الدولي على القيام بمسؤولياته المناطة بهِ في هكذا حال، وأيضا إجبارهم على عدم ممارسة التسويف والمماطلة التي كانت ديدنهم منذ بدء النزاع. فلقد أطلعت الحكومة السعودية العالم بأسره على تفاصيل هذه المبادرة، والتي تتضمن تنفيذ بعض المطالب الحوثية التي أجهض بها الحوثيون محاولات الحل السابقة، كفتح مطار صنعاء جزئيا وتدويل ميناء الحديدة، وكذلك الإشراف الأممي على جميع العائدات المالية والمساعدات الإنسانية التي تصل إلى اليمن وشعبه، لضمان عدم تبديد أو إساءة استخدام هذه العائدات والمساعدات.

ختاما إن جمال هذه المبادرة السعودية يكمن في أنها جعلت المجتمع الدولي وسلوك مكوناته تحت المجهر، وكذلك جعلت السعودية كبلد تتعرض أراضيه ومنشآته المدنية لهجمات متكررة وعشوائية، لم يبذل العالم أي جهد جدي لإيقافها أو الحيلولة دون استمرارها، في حِلّ من الوفاء بأي التزام يلوح كاذبا بضرورة وقف الحرب، بعد أن ثبت للعالم بأسره أن جميع مؤسسات المجتمع الدولي وقياداته لا توجد لديها جدية كافية حتى الآن تجعلها تتدخل ميدانيا بشكل فاعل ومؤثر لوقف هذه الحرب، وإيجاد حل دائم لهذا الصراع يرضي الجميع ويخلص المجتمع اليمني في الوقت نفسه من السعير الذي يكابده ويعيش فيه.