لم يكن اتصال وزيرة الطاقة الأمريكية جينيفر جرانهولم بنظيرها السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان قبيل اجتماع مجموعة «أوبك+» لمجرد بحث سبل التعاون المشترك في سبيل تعزيز مصادر الطاقة المتجددة فقط، وهو الطريق الذي قطعت السعودية فيه شوطاً كبيراً، بل جاء حاملاً الأمل الأمريكي لكي تساعدها السعودية في كبح جماح أسعار النفط المتصاعدة، والتي من المتوقع لها أن تخترق حاجز 80 دولاراً بحلول الربع الثالث من 2021م بعد إفراغ الدول المنتجة كامل مخزونها المتكدس نتيجة جائحة كورونا العام الماضي.

إن الولايات المتحدة الأمريكية وعلى الرغم من كونها من أكبر منتجي النفط في العالم اعتماداً على تقنيات النفط الصخري والتقليدي بمعدل 11 مليون برميل يومياً، فإنها من أكبر مستوردي النفط في العالم أيضاً، حيث تحتاج إلى 20 مليون برميل نفط يومياً لتغطية احتياجاتها من الطاقة، أي بمعنى أنها تستورد 9 ملايين برميل يومياً، ولذلك فإن ارتفاع السعر إلى ما فوق 60 دولاراً لن يكون مكلفاً مع هذه التحديات التي تواجه إدارة بايدن.

وعلى الرغم من قوة أمريكا الاقتصادية فإنها لا تملك القرار على سيادة مجموعة «أوبك+»، والتي تعتبر السعودية هي القائد لهذه المجموعة التي تشمل أيضاً روسيا كدولة كبيرة منتجة.

وفي ظل البداية السياسية غير الموفقة من الحزب الديمقراطي تجاه السعودية بشكل خاص وتجاه قضايا الشرق الأوسط بشكل عام، يأتي هذا الاتصال رغبة من القيادة الأمريكية إلى التعاون مع مجموعة «أوبك+» وتحديد نقاط التلاقي مع السعودية فيما يخص اجتماع قمة المناخ التي ستعقد افتراضياً نهاية شهر أبريل الجاري.

قبل 5 سنوات، وعندما طرحت اتفاقية باريس للمناخ بغرض الحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وغازات الدفيئة، كانت أوروبا والحزب الديمقراطي آنذاك يخططان لوضع قيود ورسوم تجارية على منتجات النفط ومشتقاته بسبب أنها ملوثة للبيئة ولا تتحلل في الطبيعة ما يجعل تبعاتها الاقتصادية مضنية. إلا أنه خلال 4 سنوات قامت السعودية وكبرى الدول المنتجة للنفط بقلب الطاولة من خلال تبنيها تقنيات التقاط الكربون وخفض انبعاثاته وتبني فلسفة الاقتصاد الدائري، حيث وضعت السعودية بشكل جريء خطتها لجلب 50% على الأقل من الطاقة التي تحتاجها في 2030 من مصادر متجددة كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح والهيدروجين الأخضر الذي ينتج من التحلل الكهربائي الشمسي لمياه البحر، وأيضا من الهيدروجين الأزرق الملتقط من العمليات الصناعية البترولية والبتروكيميائية. سوف يتضاعف الطلب على الطاقة في السعودية في 2030، ومع ذلك سوف تكون هناك حلول عملية.

لقد بدأت السعودية بالفعل في التقاط مليوني طن متري من غازات الكربون العام الماضي 2020، وتخطط للوصول بهذا الرقم إلى 200 مليون طن متري من غازات الكربون بحلول 2030 كأكبر دولة في العالم تلتقط الكربون وتحوله إلى منتجات سلعية ذات قيمة.

سوف تساهم السعودية من خلال مشروعها الشرق الأوسط الأخضر والسعودية الخضراء لبناء السور الأخضر الأعظم من خلال إصلاح مساحة 200 مليون هكتار من الأراضي الصحراوية وتحويل ثلث مساحة السعودية إلى جنات خضراء قادرة على تنقية البيئة من كل انبعاثات الصناعة بمعدل 2 إلى صفر. أي سوف تطلق السعودية ذرتي أكسجين مقابل كل ذرة كربون تنتج وسوف تلتقط هذه الكربونة للبناء النباتي.

إن السعودية حالياً تسهم فقط بمعدل 1% من مشكلة الانبعاثات الكربونية في العالم مقابل 20% تسهم به الولايات المتحدة الأمريكية، و30% تسهم به الصين و20% تسهم به الهند التي وضعت خططا للوصول إلى الحياد الكربوني بحلول 2050 كحد أقصى. والغريب أن أمريكا قد باعت للصين أكثر من 300 ألف طن من الفحم الحجري في شهر فبراير الماضي لتستخدمه الصين في إنتاج الطاقة، والفحم الحجري يمثل 30% من مصادر الطاقة، وهو السبب الرئيسي لتلويث المناخ، إلا أن المفهوم يختلف عند أمريكا عندما يأتي الموضوع على الصفقات المالية. لقد عرضت الولايات المتحدة الأمريكية على الصين بيعها منتجات طاقة كالفحم الحجري بما يصل قيمته إلى 53 مليار دولار على مدى سنتين مقبلتين.

إن هذا التناقض الأمريكي بالمتاجرة بالفحم الحجري وتلويث المناخ وأيضاً القرار بالعودة إلى اتفاقية المناخ يرهق الاقتصاد الأمريكي أولاً ومنتجي النفط في تكساس وغيرها، ناهيك عن أن الدول العظمى مثل الصين ضاعفت استخدامها للفحم الحجري في ظل النمو الاقتصادي المهول الذي تحظى به. وعلى الرغم من هذا، فإن سياسة السعودية قائمة على الصدق في مواجهة مشكلة المناخ من خلال ضخ المليارات من الدولارات في تأسيس مشاريع البنية التحتية للطاقة المتجددة، وهو الأمر الذي أثار إعجاب المنصفين في العالم.

يبقى أن نفهم أن سياسة جو بايدن تجاه «أوبك+» سوف تصطدم بالسور الأخضر الأعظم ومشاريع الطاقة النظيفة التي هدفها حماية الإنسان وليست للاستهلاك السياسي كما يفعل أصدقاؤنا من وراء المحيط.