لقد ابتلينا في هذا العصر بداء غرس مخالبه في كل أصقاع العالم، وكشر عن أنيابه في وجه جميع الشعوب دون استثناء، وغيّر الكثير من السلوكيات والمفاهيم تغييرا شبه جذري، وجعل ما قبله مرحلة وما نعيشه حاليا مرحلة مختلفة تماما في شتى مناحي الحياة، سواء كانت العملية منها أو العلمية أو الأسرية وحتى الدينية، وساد هذه المرحلة الكثير من المخاوف والتشنجات السلوكية عند الجميع، مهما اختلفت ثقافتهم أو مكانتهم أو قدرتهم العلمية والعملية، الأمر الذي جعل منهاج عيشنا كبشر ذا طبيعة ونكهة مختلفة لم يسبق لنا أن عشناها أو تذوقناها.

سمي هذا الداء بـ«كوڤيد - ١٩»، الذي من أبرز المظاهر الدالة على وجوده ومحاربته ومحاولة النجاة منه لبس «الكمامة»، التي أصبح لبسها سمة مختلف شعوب هذا العالم، ومظهر لا يكاد يغيب عن حياتهم اليومية بمناشطها كافة، مهما اختلفت بين الشعوب أنواعها وأهدافها.

إلا أن الملاحظ في شأن «الكمامة» تحديدا تباين التزام المجتمعات والمكونات البشرية المختلفة بلبسها، فهنالك مجتمعات، اتخذت تدابير وقائية مشددة، ألزمت شعوبها بلبس «الكمامة»، بالإضافة إلى غيرها من الإجراءات الاحترازية، بينما هنالك مجتمعات أخرى لم تتخذ النهج نفسه بقوة كافية وبصرامة عالية.

نلمس هذا التباين في الدول الفقيرة بشكل مكثف، ولكن المثير للاستغراب في هذا الشأن أن هذا التباين المشار إليه طال حتى الدول الغنية المتقدمة في مفارقة غريبة وغير متوقعة. قد نعذر شعوب الدول الفقيرة في عدم التزامهم بتطبيق الإجراءات الاحترازية، ومنها لبس «الكمامة»، نتيجة تراجعهم الثقافي والاقتصادي، وكذلك لانتشار الجهل بين ظهرانيهم، ولكننا لا نستطيع أن نعذر المجتمعات الغنية والمتقدمة، علميا وثقافيا واقتصاديا، في عدم التزامها بتطبيق هذه الإجراءات، حيث شهدنا فيها ليس فقط عدم الالتزام التام بالإجراءات الاحترازية بل حتى خروج مظاهرات واحتجاجات على وجودها، ومشككة في مدى وجود خطر حقيقي يهدد حياتها وصحتها، مرجعة دوافع اتخاذ جميع التدابير الاحترازية في مجتمعاتها إلى أسباب أخرى لا علاقة لها إطلاقا بحقيقة وجود داء يجب مكافحته والتغلب عليه. بينما يرى البعض الآخر في تلك المجتمعات، ممن يؤمنون بوجود هذا الداء إلا أنهم لا يؤمنون بأنه يشكل خطرا حقيقيا عليهم، أن هذا الاهتمام الحكومي به فيه مبالغة مفرطة من قبل حكوماتهم لا تستحق منهم لا الاهتمام ولا أخذ الحيطة والحذر، على الرغم من العدد الهائل من المصابين بهذا الداء في مجتمعاتهم، وكذلك العدد الكبير من الوفيات الناتجة عن الإصابة به، الذي يشكل رقمه في مجتمعاتهم رقما عاليا جدا، إن لم يكن الأعلى عالميا.

وفي هذا الصدد، نرى تجربة رائدة في إقليمنا العربي، وممارسة تثلج الصدر وترفع الرأس، تعيشها السعودية تحديدا، حيث نجد فيها مقارنة بالمجتمعات المتقدمة التزاما كبيرا بالإجراءات الاحترازية، نابعا أولا من وعي شعبها بحجم الخطر وأهمية مواجهته، وثانيا من فرض حكومتنا الرشيدة تدابير وقائية مُلزمة، وعقوبات مشددة على كل من يخالفها، وكذلك حرصت حكومتنا على ديمومة واستمرار هذه التدابير، وعدم التخلي عنها أو التهاون في الحث عليها على الرغم من النجاحات التي تحققها على صعيد التحكم في انتشار «كورونا»، ومدى تغلغله في مجتمعها.

أخيرا.. ما يجب أن يقال في صدد «الكمامة» تحديدا، أنك إذا أردت أن تعرف مدى وعي أي شعب بمدى خطر داء العصر (كورونا)، وضرورة الالتزام بالإجراءات لمكافحته، فعليك فقط النظر إلى مدى التزامه بلبس «الكمامة»، لأن هذا الالتزام في حد ذاته سيبين لك بما لا يدع مجالا للشك مدى استشعار هذا الشعب الخطر، ومدى التزامه ببقية التدابير والإجراءات الاحترازية الرامية لتحقيق الهدف الذي يسعى لتحقيقه لبس «الكمامة».