خلال إقامتي في الصين كنت أتعجب من بعض الصينيين لتسميتهم عيد الأضحى «عيد الوفاء وطاعة الوالدين»، فسألت صديقا صينيا فضحك وقال: لا أعرف، فزاد فضولي، لمعرفة سبب تسميته هذا الاسم، فذهبت أبحث عن بداية وطريقة دخول الإسلام الصين، وكيف اقتنع الصينيون بدخول الإسلام واتباع تعاليمه وصيام رمضان، ولم أجد إجابة شافية حتي وقعت بالصدفة على كتاب «القصة الكاملة للإسلام في الصين» للمؤلف وانج لنج قوي، الذي ذكر أنه في بداية دخول الإسلام الصين قرر المسلمون ألا يحتدموا مع تيار الثقافة الرئيسي في الصين «الكونفوشية»، والترفع عن الصراعات السياسية والدينية، والعمل على الانسجام ما بين تعاليم الإسلام والكونفوشية، الأمر الذي جعل الإسلام يتلافى الكثير من الأزمات، و أوجد لمد جذوره في الصين ظروفا مناسبة، وهو ما يعد ميزة فريدة نوعا ما في تاريخ تطور الإسلام في جميع أنحاء العالم. وبالفعل قللت تلك الميزة الكثير من القيود التي كان قد يواجهها دخول الإسلام الصين، حيث بدأ في الصين وكأنه مجرد عادات حميدة يتصف بها التجار المسلمون، وليفهم الصينيون الإسلام تم شرحه لهم بما يتناسب مع «الكونفوشية» التي يفهمونها، حيث تم شرح أركان الإسلام الخمسة بما يتسق مع المكارم الأزلية الخمس في «الكونفوشية»، فأركان الإسلام الخمسة: شهادة أن لا إله إلا الله وإقامة الصلاة وصيام رمضان وإيتاء الزكاة وحج البيت، أما المكارم الأزلية الخمس فهي البر والاستقامة والأدب والحكمة والإخلاص، وهي معايير الأخلاق التي أسستها طبقة الحكام في الصين، للحفاظ على النظام الطبقي، ففسر الإيمان بالله ورسوله بأنه أول المكارم الأزلية الخمس (البر)، فكيف لقلب الإنسان أن يكون بارا إذا لم يؤمن، وفسر ثاني أركان الإسلام الصلاة بأنه ثاني المكارم الكونفوشية (الاستقامة)، حيث إن إقامة الصلاة في أوقاتها تعني الاستقامة في المكارم الأزلية الخمس، والصوم ثالث أركان الإسلام تم تفسيره بأنه «الأدب»، فالصيام يمنع الإنسان من الشهوات والتحكم في أفعاله، وهذه أعلى مراتب الأدب. وسمي القرآن الكريم في اللغة الصينية «الكتاب الحق»، لينسجم مع كلمة الثقافة الصينية التقليدية، وهي كلمة «الحق» التي يتم استخدامها في تسمية النظريات الطاوية، وتستخدم أحيانا في تسمية المعابد البوذية. لذلك سمي عيد الأضحى «عيد الوفاء وطاعة الوالدين» امتدادا لطريقة نشر الإسلام في الصين بما يتناغم مع الثقافة الصينية. وهكذا استمر حكماء وعقلاء الإسلام في الصين قديما في استخدام هذه الطريقة حتى نشر الإسلام بين الكثير من الشعب الصيني، وحتى الآن هم منتشرون في مختلف مناطق الصين، يطيعون الله، ويكنون الولاء لحكام بلدهم، ويعملون لمصلحة وطنهم، والكثير منهم في مراكز قيادية مهمة في الجيش والحزب الشيوعي وعالم المال والأعمال.