قاد انتشار وسائل الاتصال والتواصل الذي فرضه التطور التكنولوجي إلى تفجير صراع جديد تدور رحاه بقوة، وطرفاه متمسكون بحرياتهم الشخصية، ومنتهكون للخصوصية لا يتورعون عن استغلال كل سانحة للإفادة منها وتعريض حياة الآخرين الخاصة للاستباحة.

ومع هذا الانتشار برز مفهوم «الخصوصية الرقمية» التي تعد وصفا لحماية البيانات الشخصية للفرد، وهي التي تمنع نشر وتداول البيانات من خلال وسائط رقمية.

وتتمثل البيانات الشخصية في البريد الإلكتروني، وكل البيانات التي نستخدمها في تفاعلنا على الإنترنت أثناء استخدامنا للحاسب الآلي أو التليفون المحمول أو أي من وسائل الاتصال الرقمي.

تهديد جدي

نظرا لتزايد تفاعل الأفراد مع العالم الرقمي أصبحت الخصوصية مهددة، وصارت البيانات الشخصية مادة يتم استخدامها إما تجاريا في تنفيذ دعاية تسويقية، أو مراقبتها من قِبل جهات حكومية.

في المقابل، فإن الحرص على الخصوصية فجر كثيرا من الإشكاليات، وأجبر عددا من تطبيقات التواصل على التراجع على خطوات كانت تعتزم القيام بها، بل وكذلك ألحق بها خسائر كبيرة، فقد أعلن تطبيق المراسلة الفوري «واتسآب»، عن تأجيل طرح تحديث أثار جدلا واسعا، رغم أنه أوضح أن التحديث الذي كان يخطط له لن يؤثر على المحادثات الشخصية، التي ستستمر في التشفير (من طرف إلى طرف)، أو توسيع قدرتها على مشاركة بيانات المستخدمين مع شركة «فيسبوك» للتواصل الاجتماعي.

وأوضحت أن التحديث «يتضمن خيارات جديدة سيتعين على الأشخاص مراسلة شركة على «واتسآب»، ويوفر مزيدا من الشفافية حول كيفية جمع البيانات واستخدامها».

وكان تطبيق «واتسآب» أعلن عن عدد من شروط استخدامه الجديدة، والتي تضمنت ملخصا لكيفية مشاركة المعلومات مع «فيسبوك»، وكيف يمكن استخدام أي معلومات مشتركة.

وتنص سياسة الخصوصية الجديدة على أنه «كجزء من عائلة شركات «فيسبوك»، يتلقى «واتسآب» معلومات من هذه المجموعة، ويشارك المعلومات معها».

تكلفة باهظة

في عام 2018 أعطت لجنة التجارة الفيدرالية الضوء الأخضر لتسوية بحوالي 5 مليارات دولار مع شركة «فيسبوك» بشأن التحقيق الخاص بأخطاء الخصوصية لموقع التواصل الاجتماعي والخاصة بفضيحة كامبريدج أناليتيكا للعام 2018.

وعدت التسوية هي الأضخم في صفوف شركات التكنولوجيا، بعد تلك التي تعرضت لها شركة جوجل في عام 2012 والتي تجاوزت 22 مليون دولار بسبب انتهاك ممارسات الخصوصية.

وتمثل التسوية حوالي %9 من إيرادات فيسبوك عام 2017.

واضطرت لجنة التجارة الفيدرالية إلى فتح تحقيق مع فيسبوك بعد سلسلة من التقارير التي أكدت أن شركة كامبريدج أناليتيكا المختصة في مجال الاستشارات السياسية قد وصلت بشكل غير صحيح إلى بيانات 87 مليون مستخدم على فيسبوك من خلال تطبيق اختبار «هذه حياتك الرقمية». وعلى ما يبدو فقد جمع التطبيق معلومات عن الأشخاص الذين ثبتوه وكذلك أصدقاؤهم، وهو شكل من أشكال جمع البيانات التي سمحت بها فيسبوك بموجب نسخة سابقة من سياسة الخصوصية.

خطوة للسيطرة

أمام سيل المخاوف من انتهاك الخصوصية، عادت فيسبوك للتأكيد على أنها ستتيح لمستخدميها سيطرة أكبر على خصوصيتهم بتيسير إدارة البيانات وتغيير تصميم قائمة الإعدادات، وذلك في أعقاب فضيحة اختراق أدت لكشف معلومات شخصية عن الملايين من مستخدمي فيسبوك فيما أفادت مزاعم بأن شركة للاستشارات السياسية استغلت هذه البيانات.

وقالت الشركة إنها ستقترح تحديثات على شروط الاستخدام وسياسة البيانات في الموقع خلال الأسابيع المقبلة حتى توضح على نحو أفضل ما هي المعلومات التي تجمعها وكيف تستخدمها.

أشكال مختلفة

لانتهاك الخصوصية كثير من الأشكال والأساليب، منها متابعة المواقع التي يزورها المستهدف على شبكة الإنترنت أو السلع التي تشد انتباهه لدراسة سلوكه الاستهلاكي، ومن خلالها يتم التعرف على ميول الأشخاص ورغباتهم الشرائية، وأيضا تستطيع بعض الشركات أن تعرف مدى قوة سلعتها من خلال عدد المرات التي يتم البحث عنها، وأيضا يمكن معرفة في أي الأماكن يتم الطلب على هذه السلعة.

مثلا عند البحث عن منتج مثل الآيفون لشركة آبل في محرك البحث جوجل، يتعرف المتصفح على مدى اهتمام المستخدم بهذا المنتج، ويضع له إعلانات تسويقية في كل الصفحات التي يزورها المستخدم حتى لو لم تكن تمت لها بصلة.

على الطريق

تواصلت مع بعض التقنيين الذين أثبتوا وجود حركة في تطبيق انستجرام خصوصا بالدعايات التي تظهر حينما يتصفحون المحتوى، وذكروا أن التطبيق يركز على نوعية الحسابات التي تم البحث عنها، وعن محتواها، مثلا ذكر بعض الأشخاص أنه يبحث دائما عن الحسابات التي تبيع منتجات وأدوات القهوة المختصة من ناحية المكائن ومستلزماتها وملحقاتها، ومع البحث في أكثر من حساب يبدأ انستجرام بالتفاعل مع المستخدم، ويظهر له إعلانات لحسابات مهتمين بهذه الفئة، ووصفوا هذه الحركة التسويقية بأنها عبارة عن «انتهاك لخصوصية وحقوق المستخدم».

استغلال

بيّن التقنيون أن هناك طريقة أخرى لانتهاك الخصوصية المعلن عنها من جوجل فهي تستخدم المواقع الشرائية التي يزورها الشخص بغرض البحث عن منتج معين لتجعل جميع إعلانات الشركة تظهر للمستخدم في كل صفحة يزورها حتى ولو لم تمت الصفحة للإعلان بصلة فقط لكي تكسب جوجل من وراء هذه الحركه المبلغ المتفق عليه من ناحية الإعلان ولكي أيضا يتم التعرف على الشركة ومنتجاتهم لأكبر فئة ممكنة ولكي تزيد أرباحها وتتضاعف عن السابق.

مفاهيم جديدة

تطور مفهوم الحياة الخاصة في الأنظمة المعلوماتية اتسع ليشمل معاني جديدة لم تكن ذات اعتبار في فترات زمنية سابقة، وهناك أنواع جديدة من المعلومات التي ظهرت على الشبكة الإلكترونية تخص الأفراد وتكون مهددة بالانتهاك. وتعد حماية الخصوصية الرقمية عملية وليست إجراء، بمعنى أنها تنطلق من رؤية محددة المعالم واضحة الأهداف، منها التشفير، أو تقنية التشفير المصنفة في مقدمة الوسائل المبتكرة في مجال توفير أمن وسلامة سرية المعلومات، والغفلية أو البرامج التي تؤمن الغفلية أو المجهولية وتسمى (Anonymous remailers) وهي تقوم بمحي جميع العناصر المعروفة بأصحاب الرسائل الحقيقيين ومن ثم ترسلها إلى مقاصدها بعناوين مجهولة.

- 2008 وقعت 37 دولة على حماية خصوصية الشبكات الاجتماعية

- الاتفاق حذر من إمكانية تسرب البيانات الشخصية المتاحة على تلك الشبكات

- البيانات يمكن استخدامها لارتكاب جرائم مثل الابتزاز والاختطاف

- يمكن كذلك أن تستغل لارتكاب الأفعال الإباحية والاستغلال الجنسي والاحتيال المصرفي

- شبكات التواصل الاجتماعي بها ثغرات يدخل منها كثير من مستخدمي المعلومات المتاحة عبر هذه الشبكات

- لا توجد وسيلة لتوفير الحماية الكاملة للمواقع الاجتماعية، غير أنه يمكن اتخاذ خطوات احترازية

- الناس ليسوا على وعي كامل بعد بأهمية المعلومات التي يكشفون عنها على هذه الشبكات

- لا يدرك كثيرون مخاطر وضعهم معلومات بمحض إرادتهم على تلك الشبكات