تواصلت المساعي السعودية المستمرة لإقصاء الفكر المتشدد والمذهب الواحد المتطرف، والقضاء على مخالفات الأمن الفكري، حيث أقر مجلس إحدى الجامعات السعودية استبدال وإلغاء كتب ومراجع في جميع برامج كلية الشريعة وأصول الدين لمرحلتي البكالوريوس والدراسات العليا، وشمل ذلك إلغاء واستبدال نحو 70 كتابًا ومرجعًا، رأى مهتمون أن قائمة مؤلفيها تؤكد أنها تحمل فكرًا لا يخلو من التشدد والانتماء إلى فكر الصحوة.

وجاء قرار مجلس الجامعة في إطار عمل سعودي عام وشامل، قاده عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وهدف إلى تخليص كل مفاصل المجتمع، وفي مقدمتها التعليم، من التأثر بأفكار جماعات محظورة ومصنفة إرهابية، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، وذلك في إطار حزم جلي لتفكيك معالم وبقايا سيطرتها على المجتمع السعودي في مجالات حيوية عدة منها التعليم والإعلام والشؤون الدينية، بعدما استهدفها التمكين الإخواني منذ ستينيات القرن الماضي.

سياسة حازمة

عملت سياسات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان على ضرب وتفكيك شبكات الإخوان بمختلف أشكالها، وعملت على محاربة التطرف الذي كرسته الجماعة في المجتمع ضد المرأة، حيث تم العمل على تمكين المرأة من سوق العمل، وقيادة السيارة، وأعلن عن إنشاء هيئة ترفيه تبنت فعاليات فنية ومسرحية لأول مرة في تاريخ المملكة.

ولا يمكن النظر إلى أثر هذه السياسة على النطاق المحلي فقط، فالسعودية بما تمتلكه من دور قيادي في العالم الإسلامي ومن ثقل ديني كبير، ينظر إلى موقفها من الجماعة على أنه فاتحة لحرب واسعة ضد هذه الجماعة والجماعات المتطرفة المماثلة، ولعل هذا ما أوضحه تصريح لولي العهد الأمير محمد بن سلمان قال فيه «نرفض أي محاول للربط بين الإسلام والإرهاب».

جماعة إرهابية

في نوفمبر الماضي أصدرت هيئة كبار العلماء السعودية بيانا عدّت فيه الإخوان المسلمين «جماعة إرهابية لا تمثل نهج الإسلام»، وأن «الجماعة تتبع أهدافها الحزبية المخالفة لتعاليم الدين».

وبالرغم من أن الإخوان المسلمين لم يمتلكوا تنظيما صريحا في السعودية، فإنهم توغلوا في مفاصل المجتمع منذ خمسينيات القرن الماضي، كما استخدموا كثيرًا من التكتيكات للعمل تحت مسميات دينية أخرى، وبأشكال مختلفة منها الوعظ والتدريس، ومنها العمل في الإعلام والشأن العام، مستغلين حالة الاحتواء والإيواء التي عوملوا بها بعدما تعرضوا للملاحقة في اعقاب اتهامهم بمحاولة اغتيال الرئيس المصري الأسبق جمال عبدالناصر في حادثة المنشية 1954.

حملة تشويه

استشعرت جماعة الإخوان الخطر الذي يهددها منذ تولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن العزيز مقاليد الحكم، ومنذ تولي الأمير محمد بن سلمان ولاية العهد، حيث جاءت المواقف منها حاسمة قاطعة، لا تقبل تسمية الأمور إلا بمسمياتها، ومن هنا بدأت جملة تشويه ضد السعودية مستغلة كل الأدوات المتاحة والأنظمة الداعمة.

وكان الإخوان قد توغلوا في التعليم السعودي كأحد أهم الأدوات التي وجدوا أنهم قادرين من خلالها على التأثير، وبمراجعة بسيطة وسريعة للكتب والمراجع المطلوب استبدالها وإلغائها في قرار مجلس الجامعة السعودية، نجد أن من بينها عددًا من الكتب لعبدالمجيد الزنداني مؤسس حركة الإخوان المسلمين في اليمن، إضافة لكتب لكل من الدكتور صلاح الخالدي أحد المتأثرين بشدة بفكر منظر الإخوان سيد قطب، وكذلك للدكتور عمر الأشقر مؤسس حركة حماس، ولمناع القطان الذي حاول الظهور بمظهر المسؤول عن الإخوان في السعودية، وكل من مصطفى السباعي وراشد الغنوشي وغيرهم ممن ينسجون على ذات المنوال.

تحرك عام

في مارس 2018 قررت وزارة التعليم استبعاد عدد من المعلمين في المدارس الابتدائية والمتوسطة والثانوية، إضافة إلى أعضاء من هيئة التدريس في الجامعات، ممن تأثروا بأفكار جماعات محظورة ومصنفة إرهابية، ومنها جماعة الإخوان المسلمين، وشكلت لجنة خاصة لاختبار قيادات وزارة التعليم والتأكد من خلفياتها الفكرية، ومنح وزير التعليم الدكتور حمد آل الشيخ لمدراء التعليم سلطة الإبعاد للعاملين ممن لديهم مخالفات فكرية.

وجاءت تلك الخطوات تالية لسابقتها التي ألغت كتبًا لقيادات الإخوان من المناهج الدراسية في السنوات الأخيرة.

ورأى كثير من المتخصصين بالشأن التعليمي أن إلغاء الكتب ليس كافيًا إذا ما استمر معلمون متشبعون بأفكار الإخوان في تمتعهم بإمكانية الوصول ومن ثم التأثير في عقول الأجيال الجديدة بمقولات تدعو إلى التكفير وتحض على الجهاد.

ولم يقضِ إبعاد المعلمين ممن يحملون ويروجون لأفكار إخوانية بحرمانهم من الوظيفة، لكنه لم يسمح لهم باستخدام الفصول الدراسية في أخونة المجتمع، سعيا للوصول إلى تعليم بلا أيديولوجيا إخوانية.

80 مرجعا

نهاية عام 2015 سحبت المملكة 80 مرجعا من الكتب التي تنشر الفكر الإخواني من المدارس والجامعات، بينها كتب لحسن البنا وسيد قطب ويوسف القرضاوي وأبي الأعلى المودودي وعبدالقادر عودة ومصطفى السباعي.

في كتابه «الإخوان المسلمون والعرب / تاريخ العداوة والارتباط» لمؤلفه مارتن فرامبتن والذي نشرت «الوطن» حلقات منه في أغسطس الماضي يكشف المؤلف أن الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، رفض طلب مؤسس جماعة الإخوان حسن البنا افتتاح مكتب للجماعة في المملكة، لكن الجماعة التي واجهت موقفا ثابتا من حكام المملكة يمنع قيامها بنشاط سياسي في السعودية، التفّت، وتسلل كثير من أعضائها إلى المملكة في خمسينيات وستينيات القرن الماضي بعد خلافها مع الرئيس المصري الأسبق جمال عبدالناصر واتهام الجماعة بالوقوف وراء محاولة اغتياله في حادثة المنشية 1954 وما تبعها من محاكمات، ما أدى إلى فرار المئات من الإخوان.

ووجد الإخوان في السيطرة على التعليم في الخليج عموما فسحتهم الأهم لتمرير أفكارهم، فيما تراجع التدين السعودي التقليدي الذي يعتمد الوسطية، وينأى بنفسه عن التوظيف السياسي.

وركز الإخوان على السيطرة على التعليم لتحقيق جملة من الأغراض، ومنها الترويج لفكر منظر الجماعة سيد قطب ومفكرها يوسف القرضاوي، ومنها الترويج لفكرها، وتعميم مؤلفاتها في المناهج الدراسية، والسيطرة على المنح والبعثات الدراسية، والهيمنة الثقافية والفكرية.

القطان مؤثرا

تتضمن الكتب التي وجه مجلس جامعة الملك خالد باستبدالها وإلغائها كتبا للدكتور مناع القطان الذي هاجر إلى السعودية عام 1953، وكان سابقا أحد قيادات تنظيم الإخوان في المنوفية، وقيل إنه نصّب نفسه مسؤولا عن الجماعة في السعودية، فيما كانت المملكة ترفض وجود تمثيل رسمي للإخوان، لكن الجماعة عملت بشكل سري، وشكلت خلايا استلهمت أفكار التنظيم ونشرتها في قطاع التعليم.

تاريخ من الكشف

على مدى التاريخ شهدت علاقة السعودية مع الإخوان كثيرا من المنعطفات الصعبة، ففي عهد الملك خالد، توترت العلاقة معهم بعدما أيدوا الخميني عام 1979 وأثبتوا أنهم يلعبون على كل الحبال سعيا للوصول إلى السلطة، وبعد حرب الخليج انضم الإخوان للصحوة وأرادوا إثارة الفتن في المجتمع لكن الدولة نجحت في إحباط محاولاتهم.

وفي عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز بلغت الحرب على الفكر الإخواني المتشدد ذروتها، حيث صنفت الجماعة إرهابية، وبدأت حركة نشطة واسعة لإيقاف تغلغل فكرها، بعدما سعت لتكريسه عبر استقطاب معلمين والهيمنة على المناهج التعليمية بأفكارها، وتوزيع كتب قادتها في المدارس والجامعات، وانتشار أعضائها وقادتها في مؤسسات التعليم.

ساحة فارغة

إنسانيا، منحت المملكة في خمسينيات القرن الماضي أعضاء الجماعة الذين اضطروا للفرار من مصر بعد اتهامهم بمحاولة اغتيال عبدالناصر وملاحقتهم بالمحاكم، المأوى، وقاد انشغال علماء الدين في المملكة بالعمل الديني التقليدي غبر المسيس إلى أن يقفز الإخوان ويقابلوا إحسان المملكة باستغلال الفرص فحاولوا نشر فكر الجماعة عبر توغلهم التعليم والدين والمؤسسات الخيرية.

وكان من الحكمة السعودية أن ضربت بيد من حديد كلما تمادى التنظيم في استغلاله لسعة الصدر السعودية، ففي مارس 2014 أصدرت وزارة الداخلية بيانا أدرج الإخوان وتنظيم القاعدة وجبهة النصرة وتنظيم داعش وحزب الله والحوثيين، ضمن قائمة الجماعات الإرهابية.

وفي مارس 2017 صنفت المملكة جماعة الإخوان المسلمين ضمن قائمة الجماعات الإرهابية، وبدأ العمل لاجتثاث فكرها، وبدأت عملية شاملة لإعادة صياغة المناهج الدراسية وتطوير الكتب المدرسية، وضمان خلوها من منهج الإخوان، ومنع كتب الجماعة في المدارس والجامعات، وإبعاد المتعاطفين معها.

رفوف عامرة

مع كل هذه الخطوات إلا أن كثيرين ما زالوا يؤكدون أن رفوف المكتبات المدرسية والجامعية ما تزال عامرة بمؤلفات لإخوانيين يزرعون أفكارهم المتطرفة بين جنباتها، ويؤثرون في قرائها، وقد طالب هؤلاء كذلك بمراجعات شاملة لفهارس الكتب في تلك المكتبات، وإقصاء أي فكر محرض منحرف منها.

كتب قيادات إخوانية انتشرت في المملكة

«العقيدة الإسلامية»

«الوصايا العشر»

حسن البنا

«معالم في الطريق»

سيد قطب

«الإنسان بين المادية والإسلام»

محمد قطب

«الجهاد في سبيل الله»

أبو الأعلى المودودي

حسن البنا

سيد قطب

«قبسات من الرسول»

محمد قطب

أخوانيون درست كتبهم في جامعات سعودية

صلاح الخالدي

مناع القطان

محمد علي الصابوني

عبدالمجيد الزنداني

مصطفى السباعي

راشد الغنوشي

علي جريشة

عبدالكريم زيدان