كمواطن مهتم في مجال الطاقة، كان الأسبوع الماضي بهيجاً جداً بالنسبة لي، فقد أسعدني كثيراً حديث الأمير محمد بن سلمان الذي تحدث فيه بالأرقام عن مستقبل الطاقة في المملكة، وأيضاً الشكل الاقتصادي العام للسعودية وقد اختصر ذلك بقوله (بعد 2030 ستكون هناك 2040 وهكذا). إن منظومة الهيكلة الحكومية في السعودية أصبحت تنافس كبرى الشركات العالمية في مجال المرونة والسرعة والسباق نحو الفرص. فإذا كانت لديك فرصة ولا تقتنصها بسرعة فإنك ستكون بالتأكيد خارج الزمن. هكذا أرسل محمد بن سلمان الرسالة إلى كافة أفراد العاملين في القطاعات الحكومية والصناعية والخاصة في المملكة ولسان حاله يقول «السرعة التي نقود بها النهضة الاقتصادية والعلمية والحضارية يجب أن يكون وقودها شغف كل سعودي وسعودية نحو الريادة»، ولهذا اختتم هذا القائد كلمته قائلاً «الشعب السعودي هم أهم عامل لإنجاح رؤيتنا فإن لم يؤمن بها ويقودها بشغف فستكون مجرد حبر على ورق». لقد رأينا كيف أن الشعب السعودي والسياسيين والاقتصاديين في العالم تسمروا أمام الشاشات لمتابعة حديث ولي العهد، ليس لأن الفضول يقودهم نحو ما سوف يقوله –وإن كان كذلك عند نسبة منهم- إلا أنّهم تعوّدوا من محمد بن سلمان الحديث عن المستقبل وعن الخطط وعن الأفكار وعن الطموح وعن السعودية الحالمة، والفرص التي ستمنحها للعالم ولكل إنسان يشترك معها في نفس الطموح والرؤية، من خلال توظيف مهارته وإعطائه الفرصة التي يريدها للعيش في شرق أوسط مزدهر وأخضر ومتحضّر. لدينا الآن في السعودية طاقم وزاري وقيادي في الجهات الحكومية ينافس في كفاءته فريق شركات أبل وأمازون وأرامكو، وتحديداً في وزارة الطاقة ووزارة الاتصالات وتقنية المعلومات والهيئة السعودية للذكاء الاصطناعي والهيئة السعودية للفضاء، التي تم تعيين معالي وزير الاتصالات وتقنية المعلومات المهندس عبدالله السواحة رئيساً لمجلس إدارتها قبل أيام. إنني اقرأ في هذه الخطوة التوجه السعودي الصحيح نحو ريادة الفضاء عالمياً المبني على حاجات حقيقية هي الآن ليست أولوية للكثير من الحكومات على مستوى العالم، لما تعنيه من رصد لميزانيات ضخمة وأيضاً لربط إستراتيجيتها في مجال الطاقة والاقتصاد والأمن الوطني بالأقمار الاصطناعية والسفن الفضائية. حالياً تحتل السعودية المرتبة الأولى عربياً في ريادة الفضاء بعدد الأقمار الصناعية وتسعى المملكة إلى إنشاء قطاع فضائي وطني قوي ومستدام لنقل تقنيات الفضاء وتوطينها. لكن الوضع لن يكون كما هو خلال عشرين عاماً من الآن وتحديداً في 2050م. إن موازين القوى الآن تتغير، والدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة قد أنهت بالفعل تطوير طائرات فوق صوتية يتم التحكم بها من الفضاء وإرشادها للهدف العسكري المطلوب، حيث تصل سرعة هذه الطائرات إلى 20 ماخ أي حوالي 24 ألف كيلو متر في الساعة، بمعنى أنها تستطيع الإقلاع من قاعدة فاندنبيرغ الأمريكية في كاليفورنيا أو مركز كينيدي للفضاء في فلوريدا لضرب أي هدف في أوروبا والشرق الأوسط في أقصى الشرق واليابان في أقصى الغرب، واللذان يبعدان بالتساوي 8 آلاف كيلو متر خلال 15 دقيقة فقط. لن يكون التنافس على الفضاء فقط من أجل تزويد المعلومات وخدمة الأهداف المدنية والعسكرية والأمن الوطني وحسب، بل حتى سيكون استخدامه أيضاً لتوجيه أشعة الشمس نحو خلايا الطاقة الشمسية في فترات الليل، وذلك مع تطوير تقنيات تخزين الطاقة حالياً التي تقودها الصين بأكثر من 65% من قدرة العالم وبسعة 61 قيقا واط في 2025م. سيكون التحكم في مصادر الطاقة في الأرض والفضاء أولوية للدول التي تريد أن يكون لها نفوذ وتأثير، فكما يعني النفوذ الجيوسياسي على الأرض سيكون الحال بالمثل في مجال النفوذ الجيوسياسي الفضائي. فمن يمتلك الفضاء بقوة معلوماتية وعسكرية يمكنه فرض خياراته على الأرض. كما أن الحروب –لا قدر الله- ستكون معتمدة على القوة الفضائية، وبذلك تكون القوى العظمى تخلّت عن الأسلوب التقليدي للحروب باستخدام القوات البشرية المقاتلة والتحوّل للروبوتات، ولكن تبقى مشكلة الدفاع عن/ والهجوم من السفن الفضائية مرتبطة باستخدام الوقود في الفضاء، وهي مهمة صعبة بسبب الحاجة الدائمة للتعبئة والتغيير أثناء التحركات الإستراتيجية وعليه تتمتع السعودية بمصادر طاقة قادرة على استدامة الإمدادات في أحلك الظروف. ما نحتاجه في السعودية هو الابتكار والتخيّل والإسراع لبناء مركباتنا وسفننا الفضائية، وأيضاً منصات تزويد الطاقة في الفضاء التي ستجعل اعتمادنا على الطاقة أكثر فعالية، وقدراتنا الفضائية ستدعم مواقف حلفائنا وشعوبهم لما فيه الرخاء والسلام للعالم. نافذة: لن يكون التنافس على الفضاء من أجل تزويد المعلومات وخدمة الأهداف المدنية والعسكرية والأمن الوطني وحسب، بل لتوجيه أشعة الشمس نحو خلايا الطاقة الشمسية في الليل