طالب عدد من المتابعين بتطوير حسابات وضعها عدد من الناشطين بهدف تصيد الأمثال الشعبية التي تدعو لأشياء غير موفقة ومراجعتها، وإعادة صياغتها بما يضفي عليها مزيدا من المرونة والحراك الذي يجعلها أكثر ملاءمة للزمن والثقافة السائدة حاليا، وتصويب ما يغالط النصوص الدينية منها على وجه الخصوص. وجاءت المطالبات لإضفاء طابع رسمي على ما تقدمه أو تنشط به تلك الحسابات، بحيث يحمل التغيير والمراجعة والصياغة طابعا رسميا تكون له أصداء تفوق ما تحققها تلك الحسابات أو المراصد الرقمية التي يرى واضعوها أنها تسهم في تصويب أمثلة شعبية لا يعرف قائلوها، ولا بد من مراجعة الصالح منها وتكريسه، وتغيير الطالح ونبذه.

رصد وتصحيح

بادرت كثير من الحسابات لرصد عشرات الأمثلة الضارة، وطالبت بتصحيح صياغتها وإعادة نشرها، والاتكاء على صياغتها وتميزها غالبا في الفكاهة والطرفة، وهو ما أعاد إلى الأذهان الطرق غير التقليدية لصحافة عربية عرفت في بدايات انتشار الصحافة في العالم العربي، ركزت على مخاطبة جمهورها بالنكتة والفكاهة ومخاصمة الأمثال الشعبية الخاطئة، وهو ما فعله الأديب والصحافي المصري عبدالله النديم في صحيفته «التنكيت والتبكيت»، التي قيل أن رجال دين لجأوا إليه قبل 130 سنة يطلبون مساعدته في إقناع العامة ومعالجة سلوكيات مخالفة للدين عبر الفكاهة والنكتة، لاقتناعهم أن الصحيفة أقرب للعامة من جهودهم التوعوية والدينية.

كسر الأصنام

دعا عدد من مستخدمي مواقع التواصل إلى تحطيم القواعد والأمثلة الشعبية الخاطئة التي لا يزال أكثر الناس تتمسك بها، مشيرين إلى أن بعض هذه الأمثلة تدعو لممارسات خاطئة وتعزز من الإحباط في نفوس الناس، وتتحول إلى ما يشبه الصنم الشركي الذي يتوجب تحطيمه، وطالبوا بإنشاء مراصد وقواعد لمراجعة الأمثال وتغيير السيء منها، وتوظيفه بشكل صحيح، ليصبح الصحيح منه على ألسنة الناس، أو على الأقل يوظف السيء بطريقة خاصة تمكن من استخدامه بلطف، كما فعلت أمانة منطقة جدة التي حورت المثل الشعبي القائل «افعل خيرا وارميه في البحر»، لتجعل منه لافتة كبيرة وضعتها على امتداد الشواطئ البحرية للمدينة، كانت تقول «افعل خيرا ولا ترم في البحر»، وذلك في مفارقة للمثل كوسيلة لتوعية الناس بالحفاظ على الواجهة البحرية.

قصة اعتراض

علق بعض أصحاب الحسابات المنادية بإعادة صياغة الأمثال الضارة قيام سكان مركزين متجاورين تابعين لمنطقة مكة المكرمة بالاعتراض على مثل شعبي درج على ألسنة العامة، يطلق على السيء والأسوأ منه مستخدما اسم المركزين، مطالبين الجهات الحكومية والمراكز الثقافية بمواجهة تلك الأمثلة وتصحيحها في أذهان العامة. وقامت حسابات تابعة للثقافة والفنون والأندية الثقافية بنشر المثل على حساباتهم بطريقة جميلة في محاولة منها لمحو القديم منه من أذهان العامة.

التنكيت والطائف

وكان النديم صاحب مجلة «التنكيت والتبكيت» و«الطائف» و«الأستاذ»، وهي صحف فكاهية ساخرة تمثل لسانه للإصلاح قد استطاع تغير شكل الصحافة وجدد أسلوب الخطابة، وجعل من النكتة وسيلة لإيقاظ الرأي العام من خلال مخاطبة «العوام» بمجموعة من القصص والمشاهد الأدبية، ومن بين أهم ما ركزت عليه الصحيفة محاربة «أمثال شعبية» رسخت مفاهيم مغلوطة كانت تنتشر بين العامة.

ثقافة حرة

يقول الناقد الأدبي عادل عبدالنعيم: «للأمثال الشعبية سحرها ومنطقها الخاص، يستخدمها الناس في مختلف المواقف الحياتية حتى غدت كالمعتقد الراسخ والحقيقة المسلم بها وتدفعهم باتجاه سلوكيات خاطئة، إضافة إلى أنها تخالف نصوصا كثيرة جاءت بها الشريعة، واختار النديم ثقافة حرة لتقويم سلوك مجتمعه وأصدر عام 1891 صحيفة «التنكيت والتبكيت»، وهي صحيفة أدبية تهذيبية تناولت النقد بطريقة ساخرة، واستمال أسلوب الجريدة القراء، وشد انتباههم، وزاد الصحيفة شهرة مخاطبتها للعامة والنزول إلى مستواهم الفكري.

حرب الأمثال

وكان أسلوب السخرية هو الغالب على تحرير «التنكيت والتبكيت»، حتى أصبحت بصمة من بصمات أدب النديم الذي كان يصور في مسرحياته وقصصه ومحاوراته ومقالاته مواقف إنسانية يفيض منها حس السخرية إلى حد المبالغة، وهي أحيانا أقرب إلى الهجاء، ومن بين أهم ما كان يستفز النديم الأمثال الشعبية التي كانت تجري على ألسنة الناس، وتحمل في مضمونها مغالطات دينية وإنسانية ولغوية، وغالباً ما كان يسخر تلك الأمثال بنقيضها عندما يشعر أن العامة يقدمون تلك الأمثال على المسلمات، ويضعها في بداية مقالته لتوعيه الناس، ونجحت الصحيفة في تأدية رسالتها.

وركز النديم على أمثلة شعبية تطلقها العجائز، وكان يقول عنها «تسمم العجائز بها أفكار الشابات»، ومن تلك الأعمال الموروثة التي ورثوها عن كبار السن في زمنهم «الندب والشعوذة واللطم خلف الميت والجلوس على القبور واستحضار وطرد الشياطين بالزار والبخور والرقصات الهستيرية والقمار»، وكان النديم يتوعدها في صحيفته بالخطوط العريضة «مهلا أيها المشعوذ فقد جاءتك التنكيت والتبكيت لتظهر ما أنت عليه من ضلال».

أمثلة ضارة اصطادتها المراصد الرقمية

«قابل الصياح بالصياح تسلم».

«القانون لا يحمي المغفلين».

«رضا الناس غاية لا تدرك».

«أكبر منك بيوم أعلم منك بسنة».

«كُل ما يعجبك والبس ما يعجب الناس».

«زوجوه يعقل».

«الأقارب عقارب».

«المنحوس منحوس.. لو فوقه فانوس».

«الكتاب واضح من عنوانه».

«صاحب الصنعتين كذاب».

«جلد ما هو جلدك جره على الشوك».

«رزق الهبل على المجانين».

آفات تناولها النديم

- الخرافات الموروثة التي أفسدت أخلاق الشباب.

- أعراف الناس في الطلاق.

- «الزار» الذي تهواه بعض النساء بحجة «طرد الأرواح الشريرة بالرقص والغناء».

- لعب القمار.

- محاربة الندب والنواح ولطم وشق الجيوب في المصائب.

طرق اتبعها النديم للتأثير بالرأي العام

01 - تصحيح بعض الأمثال والحكايات.

02 - تمرير أفكاره بأنغام شعراء الربابة.

03 - عرض الفكرة عن طريق إدخالها في نوادر الظرفاء.

04 - ارتياد المنتديات والمقاهي والمجالس الأدبية بإطروحته الجديدة.

05 - تعلم من حرية البحث والنقد والجرأة الدفاع عن الحق.