ليس أجمل من الرد على الاتهامات والأكاذيب سوى الحقائق الدامغة. فمهما طال أمد المشاريع الدعائية الرمادية إلا أن رياح الحقيقة قادمة لها لا محالة، لتفضحها أمام متلقٍ مورس عليه الكذب لسنوات بل لعقود. فما شاهدناه بالأمس القريب حول قضية مالك صحيفة واشنطن بوست هو مثال حي لكيفية انكشاف الغطاء عن أجندة مضللة غلفت برداء ذي شعارات براقه لخدمة أهداف محددة.

فالصحيفة الصادرة عن العاصمة الأمريكية واشنطن ذات الباع الطويل في الحقل الإعلامي على مدار عقود طويلة حور مسارها تماما قبيل 8 أعوام. تحديدا حين تحولت ملكية الصحيفة من دونالد غرهام الذي ظلت عائلته مالكة لتلك الوسيلة لثمانين عاما إلى جيف بيزوس. فعملية انتقال الملكية لم يصاحبها تحول تجاري فحسب بل كان أعمق من ذلك. فقد تغيرت وبشكل كبير أجندة الصحيفة وباتت تستهدف كيانات ودولا محددة بأساليب رخيصة تعتمد في المقام الأول على نشر أكاذيب، ومن ثم تعزيز الأكاذيب بمواد صحفية ملحقة عبر فنون صحفية أخرى، واستكتاب أبواق مستأجرة تحاول ترسيخ تلك الأكاذيب في ذهنية القارئ تحت قاعدة (اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس).

التباين الواضح والصارخ في الخط التحريري للصحيفة أصبح واضحا للعيان، وأضحى مثار تندر لعدد من المراقبين. فمن يشاهد أطروحات الصحيفة بملحقاتها حول مواقفها تجاه إيران مثلا يجد التناقض بأبشع صوره المهنية، مقارنه بأي موضوع يتعلق بالمملكة ومصر! دون مراعاة أو احترام للمتلقي ضاربين بالمهنية عرض الحائط.

ولا شك أن الصحيفة تستمد هذا التوجه غير المهني من مالكها الذي أصبح حديث وسائل الإعلام خلال الأسابيع الماضية بسبب فضائحه المتلاحقة التي أثبتت للمتلقين أن ذلك الاعوجاج المهني للصحيفة نابع من أجندة صدرها المالك الذي برهن في أكثر من موقف على توجهاته حتى خارج إطار مؤسسته الإعلامية، وهنا تتعاظم خطورة الوسائل الإعلامية حين تتزاوج مع ملاك صحف ذوي توجهات محددة أو شخصية.

فقد حاول بشتى الطرق والأساليب ممارسة التضليل والتستر على فضائحه، ولكن حين توصلت صحيفة الوال ستريت لحقائق عن خيانته خارج إطار زواجه، شعر حينها بأنه في طريقه لأن يفضح وتنكشف فعلته، فحاول اختلاق أكاذيب ضد المملكة ورمي التهم جزافا ليتنصل عن واقعته. ولكن سرعان ما انكشفت أكاذيبه وتعرى أمام الرأي العام وأمام الكثير من الذين اعتبروه يذر الرماد في العيون من خلال اتهاماته الباطلة، ما وضعه في موقف مخجل أمام الجميع.

نحن أمام ملف أعمق من كونه معلومة مغلوطة أو اتهام غير صحيح، فما يمارس الآن عبارة عن كذب ممنهج ومدفوع وسط أيديولوجية محددة، جندت خلالها وسائل إعلام بطواقمها كافة، من أجل تحقيق ذلك الهدف. وهنا الأخطر حين يصبح هناك تراكم للمعلومات المغلوطة والمسيرة باتجاه محدد، فإن ذلك السلوك المرسوم يجب أن يجابه بوسائل ردع وصد لديها القدرة على تفكيك ذلك النمط من الدعايات الرمادية الرخيصة، والتي قد تنطلي على الكثيرين بسبب عدم إدراكهم لأبعادها.

يقول مالكوم إكس: «وسائل الإعلام هي الكيان الأقوى على وجه الأرض. لديها القدرة على جعل الأبرياء مذنبين، وجعل المذنبين أبرياء، وهذه هي القوة. لأنها تتحكم في عقول الجماهير».