ويتفنن رجالات إردوغان في ابتداع تهم تبدو على غرابتها لافتة للنظر، ومؤكدة على كم التضييق الذي يمارسه بلا هوادة، وكان من آخرها أن فتح مدّعون عامون أتراك تحقيقا بحق رئيس بلدية إسطنبول إكرام إمام أوغلو بسبب سلوكه الذي وصفوه بـ«المهين» خلال زيارة ضريح سلطان عثماني، حسب مسؤولين في 4 مايو الحالي.
وانتشرت صورة لإمام أوغلو، وهو مرشح رئاسي محتمل لمواجهة إردوغان، واضعا يديه خلف ظهره خلال زيارته ضريح السلطان محمد الثاني العام الماضي بمناسبة ذكرى سقوط القسطنطينية على يد العثمانيين عام 1453.
وقال المتحدث باسم وزارة الداخلية إسماعيل تشاتاكلي إن «التحقيق فتحه مكتب الادعاء العام في إسطنبول حول مزاعم بأن رئيس البلدية «أهان قبر الفاتح»، دون تقديم إيضاحات حول كيفية إهانة إمام أوغلو للضريح.
وأضاف تشاتاكلي أن المدعين يحققون أيضا في مزاعم منفصلة عن زيارة إمام أوغلو للرؤساء المشاركين لحزب الشعوب الديمقراطي المعارض الموالي للأكراد.
ويسعى المدعون لحل هذا الحزب الذي يعد ثالث أكبر أحزاب البرلمان بسبب صلاته المزعومة بحزب العمال الكردستاني المحظور المصنف من قبل أنقرة «إرهابيًا».
الافتقار للتفسير
قال مراد اونغون المتحدث باسم إمام أوغلو في تغريدة، أنه طُلب من رئيس البلدية الإدلاء بأقواله في تحقيق «يفتقر إلى أي تفسير».
وإمام أوغلو الذي أحرج حزب العدالة والتنمية الحاكم بفوزه في انتخابات إسطنبول البلدية عام 2019 غالبا ما توجه إليه اتهامات من قبل الحكومة، كما أنه يخضع للتحقيق بسبب معارضته مشروع إردوغان بناء قناة بديلة لمضيق البوسفور، من المتوقع أن يبدأ العمل فيها في يونيو المقبل.
إدانات قضائية
بالتوازي مع التضييق على المرشحين والمنافسين المحتملين، عمل نظام إردوغان على تكميم كل الأفواه، ففي 4 مايو الحالي، دانت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان تركيا في قضيتين منفصلتين، لانتهاكها حرية تعبير صحافية ونائبة في البرلمان.
اعتبر قضاة الهيئة القضائية لمجلس أوروبا، بالإجماع في القضية الأولى وبالأغلبية في القضية الثانية، أن تركيا انتهكت المادة 10 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان التي تكفل حرية التعبير.
يتعلق الالتماس الأول الذي قدمته بانو جوفين، وهي صحافية شهيرة في تركيا، بأمر قضائي مؤقت «يحظر بث ونشر (في جميع وسائل التواصل) معلومات تتعلق بتحقيق برلماني في مزاعم فساد موجهة ضد أربعة وزراء سابقين» في 2013.
اعتبرت المحكمة أن هذا القرار «كان له تداعيات كبيرة على ممارسة المدعية لحقها في حرية التعبير حول موضوع الساعة».
وتم تغريم تركيا 1500 يورو «كتكاليف ونفقات» للصحافية التي لم تطلب أي تعويض.
في نهاية عام 2013، كانت بانو جوفين معلقة سياسية ومقدمة أخبار في القناة التلفزيونية الوطنية «أي إم سي-تي في». وفي خريف 2016، تم إغلاق هذه القناة المدافعة عن حقوق الأقلية الكردية على الهواء مباشرة، في إطار حالة الطوارئ التي فرضت بعد محاولة الانقلاب في يوليو 2016.
وفي القضية الثانية، غُرمت تركيا بدفع 5 آلاف يورو كتعويض عن الأضرار المعنوية و4 آلاف يورو كتكاليف ونفقات للنائبة عن حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد، فيليز كيريستجيوغلو دمير، التي رُفعت عنها الحصانة البرلمانية في عام 2016 في إطار الإصلاح الدستوري.
ولا تزال النائبة ملاحقة قضائيا في تركيا بسبب مشاركتها في فبراير 2016 في اجتماع سياسي رددت فيه هتافات اعتبرتها الشرطة «استفزازية».
وتُدين المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بانتظام تركيا لانتهاكها حقوق الإنسان، وخصوصا بعد محاولة الانقلاب في يوليو 2016، والتي أعقبتها حملة تطهير كبيرة في الجيش والقضاء والإعلام والمنظمات غير الحكومية.
سجل مظلم
إضافة لسيطرة إردوغان المطلقة على القضاء، وكذلك على الجيش، وعلى الأخص بعد المحاولة الانقلابية عليه، والتي استغلها لتصفية مناوئيه وإقصاء كل معارضيه والتحكم بالقرار، سيطر كذلك على وسائل الإعلام، حيث تؤكد المعارضة واتحادات وسائل الإعلام في تركيا أن 95% من وسائل الإعلام تقع تحت تأثير الحكومة، وهو ما لا تنفيه حتى الحكومة.
وقال نائب في البرلمان التركي «حزب العدالة والتنمية كحزب حكومي يراقب 95% من وسائل الإعلام. وهو يحجب الحقيقة عن السكان. وفي الوقت نفسه تزداد نسبة التعتيم الإعلامي».
وبينت دراسة أجراها حزب الشعب الجمهوري وجامعة قدير هاس في عام 2018، أن 3 من كل 5 أشخاص يعتقدون أن حرية الصحافة غير موجودة في تركيا، وهي نظرية يدعمها مؤشر حرية الصحافة لمعهد رويترز للدراسات الصحفية بجامعة أوكسفورد، إذ تقهقرت تركيا من 2002 حتى 2018 لتحتل المرتبة 157 من بين 181 مرتبة.
أوامر حظر النشر
منذ المحاولة الانقلابية على إردوغان 2016 لجأت الحكومة إلى أوامر حظر النشر «لحماية الأمن القومي»، وبين 2011 و2018 كان حزب العدالة والتنمية (يقوده إردوغان) وحده في الحكومة وأصدر خلال هذه المدة 468 حظرًا للنشر.
ويمنع الحظر المواطنين من الوصول إلى المعلومات، ويقول رئيس اتحاد الصحفيين الأتراك، نظمي بيلغين «وسائل الإعلام موجودة في يد واحدة. نحن في نظام إعلامي يعمل أكثر من 90% منه لصالح الحكومة. والأصوات المعارضة أخرست تقريبًا». في عام 2018 مثلا تمت محاكمة 105 صحفيين، أجبر 80 منهم على دفع غرامات أو حكموا بالسجن.
هناك اليوم نحو 150 صحفيا مسجونون في السجون التركية، ومنذ 2014 حكم 53 منهم بتهمة «إهانة الرئيس».
فقدان العمل
فقد 8000 صحفي من بين 24 ألفا عملهم خلال فترة حكم حزب العدالة والتنمية.
واعتبر الفصل من العمل واحدا من أبشع وأهم أساليب الحزب لإسكات الصحفيين، ومنعهم من ممارسة عملهم بحياد ومهنية.
تضييق على الحريات
%95 من وسائل الإعلام تقع تحت تأثير الحكومة
3 من كل 5 يعتقدون أن حرية الصحافة غير موجودة في تركيا
181 مرتبة تركيا في مؤشر الصحافة عام 2018
157 مرتبة تركيا في مؤشر الصحافة عام 2002
468 أمر حظر نشر صحفي بين عامي 2011 و2018
105 صحفيين تمت محاكمتهم في 2018
80 منهم فرضت عليهم غرامات أو عوقبوا بالسجن
150 صحفيا مسجونا في السجون التركية
53 صحفيا حوكموا بتهمة إهانة الرئيس منذ 2014
8000 صحفي من بين 24 ألفا فقدوا عملهم خلال فترة حكم حزب العدالة والتنمية