طرح الباحث الأمريكي ناثان لين كتابا يحمل عنوان «The Islamophobia Industry» صناعة الخوف من الإسلام. وعنوان الكتاب يحوي كلمة «Industry» أي صناعة، بمعنى أننا أمام عملية تصنيع لمنتج ما. وكحال أي صناعة، فإن الدعاية تعد أمرا ضروريا ورئيسا لنجاح أي منتج، من خلال خلق مواصفات معينة يبتكرها الصانع لمنتجه القادم، ويعني هذا بطبيعة الحال أن هناك طرفا منتجا يقابله طرف مستهلك. فهناك شبكات إعلامية غربية تحتكر تصنيع بل وتسويق منتج (الإسلاموفوبيا) كما يتم تسويق مشروب الكوكا كولا أو شامبو ضد القشرة في الأسواق. يقول ناثان لين في كتابه: «ازدياد المشاعر المعادية للمسلمين مؤخرا في الولايات المتحدة وأوروبا لم يكن نتيجة لمناخ من الشك كان قد تطور على نحو طبيعي، بل إنما هو نتاج جرى تغذيته على نحو منهجي ودقيق خلال العقد الماضي».

خلقت عملية (صناعة الإسلاموفوبيا) صورة متخيلة للإسلام والمسلمين في وسائل الإعلام الغربية، ليس لها وجود في الواقع، فقد تم الاشتغال وبحرفية عالية على صناعة هذه الصورة المتخيلة، وربطها ذهنيا بالعنف والرعب والإرهاب، ونشرها على نطاق واسع في الأوساط الإعلامية والاجتماعية. وقادت صناعة هذه الصورة إلى التحيز والتمييز ضد المسلمين وإقصائهم وتهميشهم من الحياة في المجتمعات الغربية، ما نتج عنه ردود أفعال حالت دون تحقيق المهاجرين الاندماج الكامل في هذه المجتمعات. فقد تعمدت وسائل الإعلام تحت تأثير صناعة الخوف من الإسلام أن تدفع بحملاتها لخلق هواجس حول المسلمين في كل أنحاء العالم.

ولكن هل هذه الصورة السلبية تعبر فعلا عن واقع المسلمين في المجتمعات الغربية؟ لو عملنا إحصائية مبسطة حول أعمال العنف ذات الدافع الديني التي ينفذها أفراد مسلمون في المجتمعات الغربية، لوجدنا أن أعداد الجرائم ذات الدوافع الدينية ضئيلة جدا ولم تتحول لظاهرة أو وباء يثير الانتباه والخوف. يقول ناثان لين: «وقد كشفت دراسة أجراها مركز ترايانغل المتخصص في الإرهاب والأمن القومي في فبراير 2011، أنه ومنذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر، نجح أحد عشر أمريكيا مسلما في تنفيذ هجمات إرهابية في الولايات المتحدة. وفي غضون تسع سنوات، قاموا بقتل 33 شخصا».

وحسب هذه الإحصائية نجد أن ضحايا اعتداءات العنف في الولايات المتحدة 33 شخصا في تسع سنوات، أي بمعدل 3 ضحايا لكل سنة، وهذا عدد ضئيل جدا يثبت أن أعمال العنف ذات الدافع الديني التي يرتكبها أفراد مسلمون من الحوادث نادرة الحدوث في أوروبا والولايات المتحدة، ولا تفي بغرض دراسة ظاهرة الإرهاب في المجتمع الأمريكي نظرا لندرتها. ولكن صناعة الإسلاموفوبيا داخل المجتمعات الغربية جعلت من هذه الظاهرة أزمة اجتماعية من خلال خلق صورة متخيلة عن الإسلام، وكأن الشر متأصل في جوهر تعاليمه وفي تراثه الديني والأدبي.

الإسلاموفوبيا موضوع مهم لفهم كيفية إدارة الغرب للصراع السياسي مع العالم الإسلامي ومع المهاجرين بالشراكة مع وسائل الإعلام، لتحقيق أهداف محددة تسكن صلب الإستراتيجية السياسية لبعض الدول الغربية، يساهم في صناعة تلك الأهداف وسائل الإعلام الغربية التي تخلط عمدا وتحت وطأة خلفيات أيديولوجية عنصرية بين الإسلام من جهة والإرهاب والعنف من جهة أخرى.

تناول الخبير السياسي الأمريكي صمويل هنتنجتون في نظريته حول الصراع بين الحضارات علاقة العالم الإسلامي بالتحولات السياسية والحضارية، والصدام المتوقع بين الأقطاب المحركة لكوكب الأرض. فخلف مزاعم العالمية والثقافة الكونية دائما ما تجعل المجتمعات الغربية في صراع متزايد مع الثقافات الأخرى، وتحديدا في عالم ما بعد الحرب الباردة. لذلك كانت صناعة الإسلاموفوبيا جزءا من صراع جديد يتمحور حول الهويات الثقافية، وسيكون هذا الصراع الثقافي ميزانا للعلاقات بين البشر في قادم الأيام.