«اعتدت البحث كمختص في الموارد البشرية في الحساب الشخصي للمتقدم للحصول على وظيفة.. من خلال هذه الخطوة قد يحرم المتقدم من الوظيفة في حال ملاحظة بعض السلوكيات الخاطئة عليه».

ما سبق، جاء في تصريح أطلقه عبدالمحسن الهويدي، أحد مدراء الموارد البشرية، وهو تصريح فجر انقسامات بين المتابعين، حيث رأى فيه البعض اقتحاما للحياة الخاصة لطالب الوظيفة عبر استخدام التكنولوجيا، فيما رآه آخرون من صميم عمل الموارد البشرية.

أحكام مسبقة

عارض كثيرون ما جاء في تصريح الهويدي، خصوصا مع انتشار أحكام مسبقة عن متخصصي الموارد البشرية، تعتبرهم عقبة يُصعب تجاوزها أمام مستقبل كثير من الخريجين الوظيفي.

من وجهة نظر قانونية، قال دافيد فاسيلا المحامي المتخصص في حماية البيانات عن مراقبة أرباب العمل لموظفيهم «من منظور المخاطر المحتملة، يجب أن يكون لدى الشركات رؤية أكثر شمولية.. على القائمين على الشركات التفكير في الطريقة التي يريدون التموضع بها تجاه الموظفين، فهناك ما قد يكون مسموحا قانونيا.. ولكنه غير مقبول اجتماعيا».

ومن وجهة نظر أحد مدراء الموارد البشرية في بعض الشركات الكبرى فإن «هذه التصرفات تندرج تحت ما يسمى الغلو الوظيفي، كونها مبالغة ينتج عنها مثالية زائفة مستقبلا، كما أن التدخل الصريح في حياة العامل الشخصية قد لا يشعره بالأمان الوظيفي الواجب توفره في كل المؤسسات والمنظمات لضمان الإنتاجية».

انفتاح على البيانات

على الرغم من معارضة كثيرين لتدخل الشركات ومسؤولي مواردها البشرية في الحياة الخاصة لموظفيهم، فإن استطلاعا أجرته شركة الاستشارات أكسنتشر Accenture عام 2018، بيّن أن 88% من العمال في سويسرا منفتحون على جمع البيانات المتعلقة بهم وبعملهم إذا كان ذلك سيحسن من أدائهم أو صحتهم أو يوفر لهم مزايا شخصية أخرى.

وينادي كثيرون أيضا بأن يكون لصاحب العمل صلاحيات واسعة تمكنه من اتخاذ كافة التدابير اللازمة لتحقيق أهداف وأغراض مؤسسته، وتنظيم سير العمل بداخلها، ولكن تتوقف هذه الصلاحيات عند مساسها بحياة العامل الخاصة، خصوصا عند اعتبار المتقدم للوظيفة عامل «محتمل» ليس إلا.

وتختلف حدود الخصوصية من شخص إلى آخر باختلاف البيئة المحيطة، الفئة العمرية، التحصيل العلمي، الجنس.. وعدة عوامل أخرى، ولمراعاة هذا يجب إطلاع طالب العمل على بعض سياسات المفاضلة أو سؤاله عن حساباته الشخصية كإشارة إلى اهتمام المنظمة بنشاطه على وسائل التواصل الاجتماعي، وهل يستطيع جلب المنفعة للمؤسسة عبر حساباته الشخصية أو لا.

رسم المعايير

يطالب مهتمون، وباعتبار أن الموارد البشرية جهة رسمية في المملكة، بأن يكون هناك تنظيم ورسم معياري لمعايير وأسس استقطاب الموظفين لتشمل جميع المؤسسات الحكومية والخاصة، وأن تُسن قوانين صارمة بحق مديري الموارد البشرية تمنعهم من استغلال الاحتياج الوظيفي بانتهاك خصوصية العاملين وطالبي العمل.

يقول مدير الموارد البشرية، نعمي النعمي «يستحيل أن تأتي بتفصيل كامل شامل للمعايير، والموظف هو بشر في البدء والنهاية، وهو عبارة عن مشاعر، فمن الطبيعي أن يتأثر وينقل حياته الخاصة إلى العمل والعكس صحيح، ولكن يمكن تخفيف آثار هذا النقل بالتعامل المثالي والمراعاة والتنازل».

أزمة كورونا

في وقت شدد فيه الباحث، مدير الموارد البشرية محمد الشهري على ضرورة الفصل بين الحياة العملية والاجتماعية للموظف، مطالبا بعدم نقل مسؤوليات العمل أو حتى البيت إلى الطرف الآخر في معادلة العمل والمنزل، أرغمت أزمة كورونا التي أجبرت كثيرين على العمل عن بعد على مناقشة قضاياهم الشخصية مع رؤسائهم في العمل، وباتت إدارة الموارد البشرية تعلم كثيرا عن الموظف في وقت لم تكن قبل الأزمة تعرف سوى اسمه وشهادته وعنوان وتاريخ ميلاده ومؤهلاته.

وأصدرت مؤسسة «فوروورد»، غير الربحية بالمملكة المتحدة، تقريرا أكد أن تحول المنازل إلى بيئات عمل جعل المديرين يعرفون كثيرا عن موظفيهم، ولم يعد الأمر يصور على أنه تدخل في الشؤون الخاصة للموظف، حيث بات الإفصاح عن بعض المعلومات الشخصية ضروريا العمل.

خطر الفصل

بات كثير من الموظفين اليوم معرضين للفصل وإيقاف الترفع بسبب ما ينشرونه على مواقع التواصل، حيث تعمل كثير من الدول على تقنين الأمر وحتى إبعاد الموظف أو تنبيهه.

وأظهر مسح أخير لمؤسسة «أون ديفيس ريسيرش» لإجراء الأبحاث في مجال الهواتف المحمولة، ومقرها لندن، أن 10% من راغبي الحصول على وظائف ممن تتراوح أعمارهم ما بين 16

و 34 عاما حُرِموا من الحصول على عمل بسبب شيء ما نشروه على حساباتهم الشخصية على شبكات التواصل الاجتماعي. ومن المتوقع أن تزيد هذه النسبة.

وتقول هيذر آر هومان مؤسسة ورئيسة شركة (كَمْ ريكومندد) للاستشارات، ومقرها واشنطن، إن «بعض الناس لا يستطيعون التمييز بين ما هو ملائم للنشر على شبكات التواصل الاجتماعي وما هو غير ملائم لذلك، سواء أكان ذلك يتعلق برؤاهم حول الدين أو بشأن السياسة أو فيما يتعلق بمشاعرهم الشخصية».

مبررات تدخل المدراء في الشؤون الخاصة للموظفين

ـ من حق الشرطة مراقبة منشورات موظفيها لأن المقبول قانونا قد لا يكون مقبولا اجتماعيا

ـ المواقف الخاصة بالموظف تنعكس على عمله

ـ العمل عن بعد استلزم معرفة المدراء أكثر بالموظفين

ـ جمع البيانات عن الموظفين قد تحسن أداءهم

عيوب الرقابة على الشؤون الشخصية للموظف

ـ تشعرهم بعدم الأمان الوظيفي

ـ المراقبة غلو وظيفي غير مقبول

ـ تفتقر للمعايير السليمة للتوظيف

ـ المدراء قد يستغلون احتياج الموظف للتدخل في شؤونه الخاصة