أعادت محاولة صعود مواطن أربعيني إلى منبر الحرم المكي خلال خطبة صلاة الجمعة، في 21 مايو الحالي، وهي المحاولة التي ثبت لاحقا أن فاعلها يدعي أنه «المهدي المنتظر»، إلى الأذهان حكاية مدعي المهدوية الذين كثروا وبرزوا في أماكن عدة، وكان لادعاء بعضهم نتائج مأساوية، كما هي حال محمد بن عبدالله القحطاني، الذي أقنعه «جهيمان» وصحبه في 1400هـ بأنه «المهدي المنتظر» في حادثة اقتحام الحرم المكي، التي أسفرت عن سقوط عدد كبير من الضحايا حينئذ في أقدس الأماكن.

وقد ضبط المواطن الأربعيني في أثناء هجومه ومحاولته الصعود إلى المنبر، وهو يحمل عصا، وأوقفه رجال الأمن.

المهدي المنتظر

يتفق المسلمون عامة على مسألة ظهور «المهدي» في آخر الزمن. وقد سئل الشيخ «ابن باز» عن هذه المسألة، حيث قيل له: «هل صحيح أن المهدي المنتظر سوف يظهر أم أنها بدعة؟، مع العلم لا توجد بعد وفاة نبينا محمد ﷺ معجزات.. أرشدونا جزاكم الله عنا خيرا».

وفي جوابه، قال ـ رحمه الله ـ «المهدي المنتظر صحيح، وسوف يقع في آخر الزمان قرب خروج الدجال وقبل نزول عيسى، وهناك اختلاف بين الناس حوله، حيث يقال عند موت الخليفة يخرج المهدي ويبايع، ويقيم العدل في الناس سبع سنوات أو تسع سنوات، وينزل في وقته عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام.. هذا جاءت به الأحاديث الكثيرة».

وأضاف: «المهدي المنتظر، الذي جاءت به الأحاديث الصحيحة، هو من بيت النبي ﷺ، من أولاد فاطمة رضي الله عنها، وهو سمي النبي ﷺ محمد وأبوه عبدالله، وهذا حق، وجاءت به الأحاديث الصحيحة، وسيقع في آخر الزمان، ويحصل بسبب خروجه وبيعته مصالح للمسلمين، من إقامة العدل، ونشر الشريعة، وإزالة الظلم عن الناس، وجاء في الحديث أنه ستملأ الأرض عدلا بعدما ملئت جورا في زمانه، وأنه يخرج عند وجود الفتنة بين الناس واختلاف إثر موت الخليفة القائم، فيبايعه أهل الإيمان والعدل، لما يظهر لهم فيه من الخير والاستقامة، وأنه من بيت النبوة».

عدم الاتزان

مع اتفاق المسلمين على ظهور «المهدي»، واختلافهم مذهبيا في آلية وزمن ظهوره وكيفيته، ومسماه وصفاته، شهد الإسلام بين الفينة والأخرى، وعلى فترات متقاربة أو متباعدة، ظهور بعض دعاة أنهم هم «المهدي المنتظر»، وأنهم أرسلوا لإصلاح الأمة وتبديد الظلم.

ولم ينحصر ظهور هؤلاء في بقعة جغرافية بعينها، بل تفرقوا في أماكن عدة وتواريخ مختلفة، لكن اللافت أن أكثر هؤلاء انتهى بهم الأمر في مستشفيات الأمراض العقلية، بعد ثبوت معاناتهم عدم اتزان.

ظاهرة قديمة

من جهته، يؤكد أستاذ الدراسات العليا في كلية الشريعة بجامعة أم القرى عضو الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان أمام وخطيب جامع الأميرة شيخة بمكة المكرمة، الدكتور محمد السهلي، أن ادعاء المهدوية المهدوية ظاهرة قديمة. ويقول لـ«الوطن»: «ظهر كثيرون ممن ادعوا المهدوية منذ العصور المتقدمة للإسلام، بل ومثيلاتها موجودة أيضا في جميع الأديان السماوية، وفي شتى مذاهبها وفروعها، فكما توجد في الإسلام، فإن لدى المسيحية من يظهر بين وحين مدعيا أنه المسيح المخلص، ومثله كذلك من يدعي من اليهود أنه الموعود».

ويوضح «السهلي»: «نبتلى بين وقت وآخر، وبأعداد كبيرة، من مدعي المهدوية، وقد جاءني في المسجد، الذي أقوم على إمامته، وأكثر من مرة، من يطالب بمبايعته على أنه «المهدي المنتظر»، وهو ليس فيه من العلامات التي جاءت بها السنة النبوية، للدلالة على «المهدي المنتظر»، حتى يعرفه الناس».

ويلفت: «جاءت السنة النبوية بأوصاف «المهدي المنتظر»، ذكرت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك تعلقت بنسبه وأدق التفاصيل، وغالب هذه الصفات لا تتوافر فيمن يدعي حتى الآن أنه المهدي المنتظر».

3 احتمالات

يتابع «السهلي»: «مدعي المهدي المنتظر يظهر في واحدة من ثلاث، إما أن يكون ادعاؤه ناتجا عن اعتلالات نفسية وخيالات، وهذا مرض نفسي، وفور خضوعه للعلاج النفسي يتبين له حقيقة الأمر، ويعتذر عن فعلته، ويتأسف عما حصل منه، وإما ينتج عن هوس ديني، فأخذ بالدين وتمسك به، وتدين بذلك على جهل، ويريد أن يتجاوز المراحل بإصلاح الأمة، والعودة إلى حياة السلف الصالح، وحياة الخلافة الراشدة، وهذا مخزونه المعرفي من الشريعة الإسلامية، وكذلك في حياته الطبيعية، يقوده إلى هذا الهوس الديني في الاستعجال بتخليص الأمة مما هي فيه من الفتن والاضطرابات، ولذلك نجدهم يظهرون مع كل أزمة من الأزمات في الأمة، فالمدعي الأخير، الذي ظهر في المسجد الحرام الجمعة الماضي، جاء بعد أزمة غزة، وهو ما يمكن قوله كذلك في حادثة فرقة جهيمان العتيبي، التي خرجت ومرقت في ذلك الحين، وحاولت تدنيس المسجد الحرام وترويع الآمنين، وهؤلاء فيهم هذا الهوس الديني فيما يزعمون بتخليص الأمة مما هي فيه من انحطاط وضعف.

أما النوع الثالث من هؤلاء، فهو من يتمسك بالدين وعنده معرفة، ويكون قد برز بين خلانه (شلته)، ويري تجمع الناس والأتباع حوله، فيفتن بنفسه، ثم يزيد فتنة بقوله إنه المخلص والمهدي المنتظر، وقد يساعده الشيطان في ذلك، وهو الذي حصل في فتنة اقتحام المسجد الحرام من قبل جماعة جهيمان العتيبي، ومعه محمد بن عبدالله القحطاني، الذي ادعى في حينها بأنه المهدي المنتظر، حيث أوهمه أتباعه بأن الرؤى جاءت بأنه المهدي المنتظر».

ويردف «السهلي»: «استأجر هؤلاء بيتا في المدينة المنورة، وجعلوه مركزا لهم، وكل من يأتي يسجل ورقة، ويلصقها على الجدار بأنه يقسم بالله العظيم بأنه رأى في المنام من آتاه وأبلغه أن محمد بن عبدالله القحطاني هو «المهدي المنتظر»، وقد قتل القحطاني في مواجهة المسجد الحرام في ذلك الحين، وهذا أكبر دليل على أنه ليس المهدي، فـ«المهدي المنتظر» لا يقتل، بل يأتي على حين فساد ويصلح الله به الأمة».

أحاديث متواترة

يشير «السهلي» إلى أن ظهور «المهدي المنتظر» جاءت به السنة، وتواترت به الأحاديث التي لا شك فيها، بل يُقطع بثبوتها ووجودها، وهي تؤكد أنه رجل صالح، وأنه ليس نبيا، وأنه لا يوحى إليه، وإنما هو من المصلحين الذين يظهرون بين وقت وآخر لإصلاح هذه الأمة، ولا يأتي بقتل ولا بسيف ولا بالقوة ولا يؤخذ، وإنما هو داعية من الدعاة وصالح من الصالحين المصلحين، يدعو الناس بالتي هي أحسن، ولا يأخذها عنوة ولا يجبر الناس، وإنما يصلحهم في دعوته، وبعد ذلك يباعونه على أنهم رأوا فيه صلاحا وإصلاحا، وله قبول من الناس.

ويبين: «من صفات «المهدي المنتظر» أنه على صفات النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - الخلقية والخُلقية، فمن قرأ في الشمائل المحمدية، وتعرف على خلقة النبي سيعرف حين يرى من يقول إنه المهدي هل هو صادق أم مدعٍ، فـ«المهدي المنتظر» يأتي على هيئة النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - في صفاته، وهو من سلالة فاطمة الزهراء رضي الله عنها، واسمه كاسم النبي واسم ابيه كاسم أبي النبي، فاسمه محمد بن عبدالله، ويصل نسبه إلى علي رضي الله عنه، وجده النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وأمه فاطمة، ولكن من ادعوا أنهم المهدي حتى الآن ليس فيهم هذه الصفات مطلقا، سواء من ناحية النسب أو الخلقة أو الصفات الدينية والعلمية».

شروط محددة

يضيف «السهلي»: «الشروط المعروفة لـ«المهدي المنتظر» لا بد أن تكون على الصفات التي جاءت عن النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - من ناحية الاسم والنسب والخلقة، ومن ناحية التأثير بأنه صالح ومصلح، لا يأخذ الناس بالقتل ولا بالرعب ولا بالتخويف ولا بالإجبار ولا بالقوة، وإنما يدعوهم إلى الله - عز وجل - ويهتدون، وحين يرون من صلاحه وإصلاحه يباعونه على أنه «المهدي المنتظر»، بحيث لا يطالب بحكم ولا بسفك دماء ولا بخروج على أئمة المسلمين أبدا، وإنما مصلح من المصلحين».

حوادث مدعي المهدوية:

* القحطاني وجهيمان

ـ تعد حادثة اقتحام المسجد الحرام الشهيرة في 1400هـ من أشهر حوادث ادعاء المهدوية، حيث ادعى محمد بن عبدالله القحطاني أنه «المهدي المنتظر».

ـ جهيمان العتيبي والجماعة التي قادها أقنعت «القحطاني» بأنه «المهدي».

ـ قتل «القحطاني» في الحادثة التي أسقطت كثيرا من الضحايا، وأوقفت الصلاة في الحرم عدة أيام.

* حادثة 1432

ـ في أثناء صلاة العصر في المسجد الحرام، وفور تكبيرة الإحرام من الإمام، خرج شخص من خلف الإمام، وحاول خطف الميكروفون وهو يصرخ «أنا المهدي المنتظر.. أنا المهدي المنتظر».

ـ تمت السيطرة عليه من القوة الخاصة لأمن المسجد الحرام.

ـ كان المدعي قادما لتأدية العمرة.

ـ تبين أنه يعاني اعتلالات نفسية، ووجدت بحوزته وصفات للعلاج النفسي.

* مهدي في المدينة

ـ عام 1432، تلقت شرطة المدينة المنورة بلاغا من عدد من المقيمين، أفادوا بأن مقيما عربيا يسكن معهم يدعي أنه «المهدي المنتظر».

* مهدي في ميدان التحرير

ـ في 1432 أيضا، ظهر من يدعي أنه «المهدي المنتظر»، وذلك في ميدان التحرير بالقاهرة.

ـ حمل المدعي اسم محمد بن عبدالله

ـ سمى نفسه «الفتى القرشي الهاشمي».

ـ تحدث عن قدرته على تحرير العالم، وفتح البلدان العربية، بداية من مصر.

ـ قال إنه قادم من مدينة «القيروان» بتونس، وأن الكونين سخرا له، ولديه عدد من المعجزات.

ـ أكد أنه في مهمة رسمية لمقابلة كبار علماء الدين الإسلامي في مصر.

* إنقاذ العالم

ـ في 2012، وفي أثناء تظاهرات الاحتفال بالعيد الأول لثورة 25 يناير، ادعى مصري، اسمه علي محمد سلامة، أنه «المهدي المنتظر».

ـ «سلامة» ادعى أنه من علماء الأزهر، وأنه سينقذ العالم من الفتن الكبرى.

ـ ظهر مرتديا لباسا وعمامة خضراء وغطاء للرأس من اللون نفسه.

* 3 في وقت واحد

- في 2000، ظهر 3 مصريين ادعى كل منهم أنه «المهدي المنتظر».

ـ أولهم يدعى محمد عبدالنبي عويس في سيناء، وكتب كتابا يشرح فيه تعاليمه، وكان مصيره في نهاية المطاف الإقامة في مستشفى الأمراض العقلية.

ـ في العام نفسه، ظهر شخص يدعى حنفي من بورسعيد، ادعى أنه «المهدي المنتظر»، واعتقلته الشرطة.

ـ ظهر شخص ثالث، يدعى أحمد عبدالمتجلي من الإسماعيلية، مدعيا أنه المهدي، وأنه قادر على إخراج الجن.

* طلب المبايعة

ـ في الإسكندرية المصرية، ظهر مصري، يدعى محمد محمود، معلنا أنه «المهدي».

ـ طلب «محمود» من أئمة المساجد مبايعته.

ـ قبص عليه الأمن، وادعت أسرته أنه يعاني اضطرابات نفسية.

* مهدي للتخلص من «بوش» و«شارون»

ـ في الإسكندرية المصرية، أعلن المصري عاطف محمد حسين أنه «المهدي المنتظر»، وتعهد بتخليص العالم من شرور الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش، ورئيس الوزراء الإسرائيلي شارون.

ـ وفي الإسكندرية أيضا، زعم مصري، يدعى أشرف عبدالحميد، يعمل خبازا، أنه «المهدي المنتظر».

ـ في قنا المصرية، ادعى المصري عبدالفتاح محمد دردير أنه «المهدي المنتظر»، وأن الله اختاره ليخلص الناس من الظلم، لكنه حبس وأحيل إلى مستشفى الأمراض العقلية.

ـ في الشرقية المصرية، فوجئ مصلون في أحد المساجد بشاب يخبرهم أنه «المهدي المنتظر».

ـ في أسيوط بمصر أيضا، ألقت أجهزة الأمن القبض على مصري، يدعى يحيى أحمد محمد، وهو عامل حدادة، ادعى أنه «المهدي المنتظر».

ـ في الفيوم، ألقت قوات الأمن القبض على مواطن زعم أنه «المهدي المنتظر».

* راية شبيهة بـ«داعش»

- في يونيو 2014، زعم مصري يدعى أحمد عبدالعظيم أنه «المهدي المنتظر».

ـ اعتقل خلال رفعه راية شبيهة براية «داعش».

* مهدي مزارع

ـ في جنوب مصر، قبضت النيابة على المزارع أحمد محمود الحجاج بعد زعمه أنه «المهدي المنتظر».

ـ زعم المصري محمود قاسم أبوجعفر أنه «المهدي المنتظر»، وأن صفاته الشكلية والمعنوية والحسية مطابقة له.

ـ في الموسكي جنوب القاهرة، ادعى مخلص علي أن «المهدي»، وتم اعتقاله.

* مهدي كهربائي

ـ زعم المصري عمرو عبدالعاطي بأنه «المهدي المنتظر»، وكان يعمل كهربائيا في قليوب شمال القاهرة.

ـ قتل «عبدالعاطي» عددا من جيرانه قبل أن يسلم نفسه للشرطة.

ـ تبين أنه مصاب باضطراب نفسي منذ فترة، وكان يخرج في الشارع عاريا تماما.