لقد أقرّت خارطة طريق الحياد الكربوني وقف اعتماد أي مشروع إنشائي لمصانع الفحم الحجري بدءًا من 2021، وهذا يعني أن إنتاج الميثان من الفحم سوف يبدأ بالتراجع وهو ما سوف يتم تعويضه بالميثان الطبيعي المصاحب للنفط. أي أن الطلب على الغاز هنا سيحتاج مزيداً من الاستثمارات والقدرة الإنتاجية.
كما أن الخطة الدولية للحياد الكربوني تستهدف وقف بيع مراجل التسخين في المصانع Boilers التي تعمل على الوقود الأحفوري بدءًا من 2025 والتحول إلى استخدام الكهرباء المنتجة من الطاقة الشمسية. والكهرباء من الطاقة الشمسية بالتأكيد ستحتاج إلى قواعد بلاستيكية وحوامل معدنية ما يعني أن الطلب على البلاستيك والتعدين سيزداد. وهنا تكون الحاجة إضافية للغاز الطبيعي الذي يدخل كمادة خام في إنتاج البلاستيك ومادة خام لتعويض وقود الفحم الحجري في مصانع التعدين.
وفي عام 2030 تقتضي الخطة الدولية أن تكون 60% من المباني الجديدة صديقة للبيئة صعوداً إلى نسبة 85% في العام 2050، وهذا يعني المزيد من المواد البلاستيكية الهندسية العازلة وذات البصمة الكربونية الأقل في إنتاجها، وهو بالتأكيد يعني مزيداً من الإيثلين والبولي إيثلين (PE) والبروبلين والبولي بروبلين (PP) والبولي إيثيلين تيرفثالات (PET) والميثانول (MeOH) والبولي فينيل كلوريد (PVC) والبولي يوريثان (PU) ومطاط الستايرين بيوتادايين (SBR).
كما أن الهدف في شأن السيارات هو أن تكون نسبة الكهربائية منها 60% في عام 2030. ولو عرفنا أن عدد السيارات في العالم حالياً هو 1.4 مليار سيارة تعمل بالغازولين والديزل، فمعنى ذلك أن عدد السيارات التي سوف تستبدل إلى كهربائية سيكون 840 مليون سيارة، وهذا بالتأكيد يعني أننا بحاجة إلى تحويل كل الطاقة الإنتاجية للسيارات حالياً والتي تقدّر بـ 90 مليون سيارة سنوياً إلى إنتاج السيارات الكهربائية، وسوف تتطلب هذه المصانع كميات أعلى من البلاستيك للوفاء بهذا التغير السريع. وبمعرفة أن تقنية السيارات الكهربائية تواجه مشكلة في محدودية مدى خدمتها، فسوف تضطر الشركات خلال هذا العقد وحتى تطوير هذه التقنية كلياً إلى أن تتبنى السيارات الهجينة غاز/كهرباء، وهنا تبرز الفرص الاستثمارية الكبيرة في محطات الهيدروجين والغاز وتوريد المواد البلاستيكية والمطاطية للسيارات، وهي مواد منافسة سعرياً لا يوجد حتى الآن بدائل لها أرخص وأكثر مأمونية.
أما في العام 2040 فإن خارطة الطريق تقتضي أن تكون كل الكهرباء في العالم لا تبعث الكربون في عملياتها، وبمعرفة أن كل العالم لن يستطيع الاعتماد على الطاقة المتجددة فقط بسبب التحدياث الطبيعية والمناخية والسعرية والكفاءة، فإن مفهوم الخليط هو الذي سيكون الرائج آنذاك. لذلك سوف تزدهر عمليات حجز الكربون بالضرورة وهو ما يعني المزيد من المعادن والبلاستيك وازدهار مصادر الغاز الطبيعي والهيدروجين بصنفيه الأزرق والأخضر، وحتى البني الذي ينشأ من استخدام الطاقة النووية. ولن يتم منطقياً إيقاف استخدام مفاعلات الطاقة النووية خصوصاً في أوروبا في ظل الإرهاصات السياسية التي يتوقع أن تستمر حتى 2080 بين روسيا وغرب أوروبا ومنطقة القوقاز وآسيا الوسطى.
وعليه يمكننا أن نستنتج بحسبة بسيطة أن خارطة طريق الحياد الكربوني قد جاءت بـ (ماذا تريد تحقيقه) وأغفلت (كيف تريد تحقيقه)، فالكيفُ حول العالم سيكون متفاوتاً. وهذا حتماً لن يخفّض الطلب على النفط من 96 مليون برميل سنوياً إلى 24 مليون برميل كما تقول وكالة الطاقة الدولية، بل إن النفط وإن انخفض نتيجة تحوّل السيارات إلى كهربائية فإن هذا الانخفاض سيتراوح بين 15%-20% عالمياً على أن يعود الطلب لاحقاً بعد 2030 لمستويات 2019، مدفوعا بالنمو السكاني العالمي الذي سيقفز إلى 9.2 مليارات في 2050 أي بزيادة 1.5 مليار نسمة سيحتاجون إلى غذاء ودواء ووقود للطبخ والتدفئة والكهرباء وسيارات إضافية ومنازل صديقة للبيئة.