الأنباء تُشير إلى أن مسؤولين سعوديين يلتئمون حول طاولة حوار مع إيرانيين، استناداً على الرغبة السعودية في الحوار مع دولة جارة كإيران، والتي أطلقها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان قبل أسابيع. وعلى طاولةٍ مشابهة يجتمع مسؤولون مصريون مع آخرين أتراك. وهناك ما يُلمح إلى تسوية إماراتية قطرية.وأمير قطر زار المملكة أواخر شهر رمضان، ووزير الخارجية التركي في المملكة بعد سنوات ليست من القطيعة، إنما فتور في العلاقات السعودية التركية.

ذلك حراك واضح استناده على رغبة حميدة لتسوية الخلافات العالقة بين دول المنطقة، لكن يصعب التكهن بما يُمكن أن تنتهي إليه، كونه بعيداً عن الإعلام والتسريبات خشية التأثير في سير التفاهمات. المهم أن الجمود قد كُسر وحدثت المواجهة المباشرة، وهذا بحد ذاته يعتبر خطوة إلى الأمام وفي الطريق الصحيح.

يجب عليّ التنويه بأننا أمام ملفين من المصالحات في المنطقة، أحدهما ذلك الذي يستند على بيان قمة العلا قبل 5 أشهر، وذلك معنيٌ بمصالحة دول الرباعية مع دولة قطر الشقيقة، والآخر يقوم على تفاهم مفترض مع إيران، وتركيا، ولذلك شقان من الحديث، اتضحت معالم الأول منهما، بينما يبقى الآخر طي الكتمان.

سآخذ بتحليل ملف المصالحة وأبتعد عن التكهن في الآخر. فمن ناحية الحديث عن المصالحة مع دولة قطر، فالقادم من القاهرة الحبيبة يبعث بالتفاؤل؛ وبات واضحاً أن نتائج وثمار قمة العلا يُمكن رؤيتها بالعين المجردة، ودلائل التوافق أو التفاهم الذي وصلت له دول الرباعية مع دولة قطر، بعد التزامها بالوفاء بالالتزامات الصادرة عن تلك القمة كافة، من حيث العمل على لم الشمل العربي، وعدم التغريد خارج السرب، تعتبر واضحة ولا تحتاج إلى جهد كبير لملامستها. وما يؤكد ذلك وجود أحد أبرز المسؤولين القطريين في مصر الأسبوع المنصرم. فبعد لقاء جمع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بوزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، أعطت قطر إشارةً كبرى بالتوصل لتفاهمات حول النقاط محل الخلاف المصري – القطري، من خلال ترجمة الوزير القطري لذلك، بقوله «إن مصر من الدول الكبرى في المنطقة، وتلعب دوراً إقليمياً وقيادياً في ملفات المنطقة، وإن الدوحة تتعامل مع حكومات ما دام أن الشخص منتخب من شعبه والحزب السياسي هو الذي يحكم الدولة.

نحن نتعامل مع الدول ونحترم المؤسسات في الحكومة المصرية». لم يحمل الجزء الأول من حديث المسؤول القطري في طياته ما هو جديد، فمعروفٌ أن القاهرة لاعبُ إقليمي في ملفات المنطقة. إنما الجديد على لسان الشيخ محمد هو تغيير الإستراتيجية القطرية في التعامل مع دولة كبرى مثل مصر. فالدوحة بعد أكثر من ثمان أعوام، اعترفت بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي كرئيسٍ شرعي للجمهورية، وذلك الملف يعتبر أحد أهم الملفات التي تسببت في شرخ العلاقات المصرية القطرية، وركب ذاك الخلاف من ركبه، واستفاد منه من استفاد، على مستوى الدول والأشخاص والكيانات. أعتقد أن اعتراف الدوحة بالرئيس المصري الشرعي هو آخر الملفات العالقة، ما إذا ربطنا الأمر ببيانٍ صادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري، أظهر أن العلاقات الاقتصادية بين مصر وقطر شهدت تحسناً ملحوظاً خلال العام الماضي، على مستوى التبادل التجاري، والاستثمارات القطرية في مصر، وذلك يعني أن المنطقة مقبلة على مزيد من التفاهمات والتحالفات، التي تُحتم عودة دول إقليمية خطوة للوراء، بعد أن تصدرت المشهد وقفزت على الخلاف لسنوات مضت، واندفعت إلى أقصى حدود الغطرسة والتخبطات السياسية. ولا مانع من طرح تساؤل، ماذا يعني الموقف القطري.؟ يعني بالدرجة الأولى التخلي عن شرعية جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية بمنهجيتها وأيديولوجيتها وممثلها الرئيس السابق. ويعني تقديم مصالح الدول ببعضها على مصلحة الدول بالكيانات.

ويعني أن ذلك آخر نقاط الخلاف التي تمت تسويتها بين الطرفين. ويعني أيضاً أن هذا الأمر لن يمر مرور الكرام على بعض العواصم الإقليمية، ولن يكون برداً وسلاماً عليها. ويعني كذلك العودة للصف العربي على حساب الخروج من اصطفاف بُني على الاستفادة من ذلك الخلاف من قبل دول إقليمية نشطت في صب الزيت على النار إبان الخلاف. أعتقد أن لقطات تسليم وزير الخارجية القطري للرئيس السيسي رسالة خطية من أمير دولة قطر الشيخ تميم يدعوه فيها لزيارة الدوحة مُفرحةٌ للغاية لكثير من الأطراف، وتحمل عددا من المعاني والتفسيرات ما بين السطور، أهمها تحقيق تطلعات الرياض، التي تبنّت فكرة رأب الصدع بين العاصمتين – القاهرة والدوحة – بالتحديد، وحدوث تفاهم بين الدول المختلفة بالعموم، باعتبارها عرّابة اتفاق العلا، وذلك من باب المسؤولية الأخلاقية على دولة كالسعودية، وضعت الأخوة قبل المصالح والسياسة والاقتصاد، على عكس صولات وجولات مبعوثين سعوا لتحقيق الأمر ذاته، لكنهم قدموا المصلحة على كل شيء. أستطيع القول إن مفتاح توافق الشعوب والمجتمعات في أدراج الحُكّام، فالاتفاق والعودة للصف يبدأ بكلمة، وينتهي بأخرى. والخصام والفُرقة كذلك، ولا أحد له مصلحة من الشتات الذي مضى بين الأخوة أكثر من الأعداء وثُلة ممن ارتزقوا من الخلاف واستفادوا منه، دولاً أو كيانات، معروفة.

ففي عالمنا المليء بالضباب والعتمة، لا مصلحة بالتشظي باعتبار أن الإقليم لا يحتمل المزيد من الفرقة.

يهمني كسعودي ترجمة ما بداخلي من شعور، يؤكد أن ما تحقق من توافق مصري – قطري، استغرق من العمل أكثر من نصف عام، يُحسب في لغة تسوية الخلافات بين دولة وأخرى انتصاراً سياسياً ودبلوماسيا للمملكة، سمّه ما شئت، انتصار اختراق المعاني واحدة والتسميات لا تهم. المُهم أمران، عودة الأخوة للتوافق وتوحيد الصف، والنظر إلى مصالح المنطقة بعينٍ واحدة، وعلى قلب رجلٍ واحد.