لا يتخيل الواقف فى منطقة «جبة»، حيث تمتد حوله كثبان رملية بلا انتهاء، أن هذه المساحة من الأرض كانت ذات يوم بحيرة تتماوج مياهها، ولا يتخيل أن هذه البحيرة نضبت من قبل 6 مرات، محولة في النهاية الحياة فى تلك المنطقة من حياة قائمة على الصيد إلى حياة رعي للحيوانات المستأنسة.

كل هذه التحولات تسرد حكاية موغلة فى القدم لتلك المنطقة القابعة فى عمق صحراء النفود الكبير، حيث ينتصب جبلان تتوسطهما واحة، تمتزج فيها ألوان الصحراء مع رمل البحر، وتتكئ على كثبان النفود، وتحرسها غابات من النخيل.

خازنة التاريخ

توصف «جبة» بأنها خازنة التاريخ وأرض الحضارات، ومن أقدم الحواضر فى شمال المملكة. وقد عاش فيها الثموديون قبل 6 آلاف سنة، وتحولت من غابات استوائية مطيرة، وبحيرة تضم بيئات مختلفة، إلى متحجرات لفظها التصحر، ومن حياة الصيد إلى الرعي إثر تقلبات مناخية قبل 6 آلاف سنة، حيث سيطرت عليها الأجواء الحارة والجافة، وتسببت فى تغير البيئات.

وفى 2015، سُجلت «جبة» فى قائمة التراث العالمي بمنظمة «اليونسكو»، بوصفها أحد مواقع التراث العالمي.

ويعرف عن مدينة «جبة» شهرة أهلها بالكرم، فالملاحظ أن جل منازل سكانها دون أبواب، لتمكين الضيف من الدخول بكرامة وتقدير، حيث توارث السكان المحليون الحاليون عادة الكرم من أسلافهم.

تضاريس صعبة

يؤكد صاحب متحف «الثويني» فى «جبة» المهتم بالآثار، ناصر الثويني، أن سبب تسمية «جبة» هذا الاسم يعود إلى تضاريسها الصعبة وموقعها أيضا، حيث تقع فى عمق صحراء النفود، وكان الوصول إليها سابقا أشبه بـ«الوصول إلى الحياة بعد الموت».

وتابع «الثويني»: «كانت جبة سابقا بحيرة امتدادها 27 كيلو مترا، من جبل أم سنمان إلى جبل غوطة شرقا، ونضبت 6 مرات، وكان آخر نضوب لها قبل 6 آلاف سنة، وخلفت وراءها دلائل وشواهد كبيرة من الآثار فى سفح جبل أم سنمان. كما أن فيها بعض المتحجرات التي تدل على وجود بحيرات فى الماضي السحيق، وهو ما كشفته كذلك بعض البحوث والدراسات التي أجريت على جبة».

وأوضح: «جبة تحولت قبلة للمستشرقين الغربيين خلال القرون الثلاثة الماضية، نظرا لموقعها الجغرافي الذي يقع على طريق قوافل الرحالة، وبدأت تلك الرحلات فى القرن التاسع عشر، ومن أبرز الرحالة الذين زاروها الإنجليزية الليدي آن بلنت، حفيدة الشاعر الإنجليزي الشهير بيرون، التي وصفت جبة بالواحة وسط الصحراء».

بقايا بحيرات

شدد البروفيسور مايكل بتراليا، أستاذ كرسي عصور ما قبل التاريخ زميل أول فى الأبحاث المدير المشارك لمركز علم الآثار والفن والثقافة فى منطقة آسيا، التابع لكلية الآثار فى جامعة أكسفورد، فى تصريحات صحفية سابقة له، على أنهم وجدوا فى منطقة جبة بصحراء النفود بقايا بحيرة قديمة، مشيرا إلى أن الأبحاث عن هذا الموضوع بدأت خلال الفترة من 2008 إلى 2011.

وكانت نتائج دراسات أثرية حديثة، نشرتها «الوطن» في وقت سابق، قد أكدت أن الجزيرة العربية كانت تحوي 15 بحيرة كبيرة قبل 7000 سنة، تعيش حولها مجموعات بشرية وحيوانات مختلفة.

ووثّقت نتائج أبحاث علمية واكتشافات أثرية، أجراها علماء ومختصون فى مجال الآثار، للاستيطان البشري والهجرات نحو الجزيرة العربية والاستقرار بها فى فترة ما قبل التاريخ، حيث كشفت أبحاثهم عن أن هذه المنطقة كانت مأهولة ونابضة بالحياة البشرية والحيوانية، مؤكدين أن هذه البقعة كانت حافلة بالأنهار التي تجري على أرضها، والبحيرات والمساحات الخضراء التي جعلت منها مقرا وملتقى للحضارات عبر الحقب المختلفة.

نقوش ثمودية

أكد الباحثون وعلماء الآثار، الذين درسوا نقوس جبة، أنها من أقدم النقوش فى الجزيرة العربية، وتعد فى أغلبها ثمودية، موضحين أن الآثار الموجودة فى جبة عبارة عن نقوش صخرية تمثل صورا لحيوانات كانت متوحشة، وتم ترويضها مثل الجمال، التي لم تكن أليفة فى السابق.

ويتميز جبل أم سنمان الأثري فى جبة بعدد من النقوش والرسومات العمودية من العصر الحجري، التي تنتشر على الجبل، وتعود تسميته هذا الاسم كونه يشبه إلى حد كبير الناقة ذات السنامين.

وعلى هذا الجبل نحو 5431 نقشا ثموديا، و1944 رسما لحيوانات مختلفة، منها 1378 رسما لجمال بأحجام وأشكال مختلفة. كما بلغ عدد الرسوم الآدمية به 262 رسما.

جبة

ـ إحدى محافظات منطقة حائل

ـ مساحتها 12500 كلم مربع

ـ تقع على طريق القوافل القديم الرابط بين شرق المتوسط وهضبة نجد

ـ تعد من أهم المواقع الأثرية من حيث قدم نقوشها

ـ سجلت بقائمة التراث العالمي فى اليونسكو منذ 2015

جبل أم سنمان

أشهر جبال جبة، وفيه:

5431

نقشا ثموديا

1944

رسما لحيوانات مختلفة

1378

رسما لجمال بأحجام وأشكال مختلفة

262

رسما آدميا