في أكتوبر الماضي، تعرضت لأزمة صحية قوية، تدخلت فيها ألطاف الله وعنايته حتى أوقفتني على قدمي من جديد، وكنتُ في أوج الأزمة أجلس داخلي في ركن قصي، بعيدة عن كل كراكيبي، أقلب كفي حياتي، وأنظر فيها نظرة المتأمل، نظرة من يبحث عن شيء للحظة المباغتة، أتلمس فيها ما فقدته وما كان عليّ فعله، سألت نفسي مثلما يفعل الكثيرون في مثل حالتي: ما الذي ينقص حياتي؟.

وأظنني عرفت حينها أنني، مثل كثير من الناس، قد أفلتُ من يدي مباهج لا حصر لها، لأسباب واهية، قد تكون غير حقيقية، وقد تكون مُسندة إلى الخوف من المجتمع، وقد تكون أيضا برمجة قديمة على البقاء دائما في ظل كل العادات التي لا تسمح لنا بالإفراط في استخدام مشاعرنا!، إذ يحضرني في سياق ذلك - على سبيل المثال لا الحصر - المثل الدارج «الضحك بدون سبب قلة أدب»، لأتساءل: ماذا لو ضحكنا لأسبابنا الخاصة التي لا تُضحك سوانا.. أين الخطأ؟. في مثل هذا الفعل البسيط والعفوي، ليس بالضرورة أن تكون أفعالنا الممتعة والبسيطة جدا رهن قيود وأحكام لا منطقية من قِبل مجموعة من الناس تنظر إليها كأفعال سخيفة وغير معقولة، وعلينا الانصياع لهم وحسب!. وفي الحقيقية، بل وعلى الجانب الآخر والبعيد جدا، فإن جوهر الأشياء دائما لا يُفسر، ولا تُقدم له شروحات، كي يبدو منطقيا ومستساغا، بل ومقبولا!.

لذلك وأكثر، استمتعوا قدر الاستطاعة بمنحة الحياة، اقدموا على متعها وكأنكم للمرة الأخيرة ستجربون حلاوتها، اقبلوا على الاستراحة بين المتعة والأخرى لمزيد من الشعور بالنشوة، وابحثوا عنها قدر ما أمكنكم ذلك. هذه الارتدادات البسيطة من شأنها أن تعطي للحياة قيمة أكبر مما يعطيها حدث ضخم واحد في حياتنا بأكملها. لماذا نبقى على تردد واحد مدى العمر إذا كان باستطاعتنا القفز على أكثر من تردد، من شأنه أن يكسر ملل الاستمرار في حياة باهتة!.

لما نوفر هذا العمر والصحة والشباب؟ بل نوفرها لماذا؟ ولأي شيء؟! ما دمنا نستطيع الآن الإمساك باللحظة، فلماذا نفكر في الغد؟، لماذا لا نُقدم وحسب؟!. إننا بحاجة لشجاعة البدء، لا لانتظار الشرارة التي تدفعنا لبدء ما ننويه. إننا بحاجة لمعرفة الوجه الآخر من الحياة الذي لم نختبره إلا في حدود ضيقة، لماذا لا نجرب رمي الشباك في الماء قبل أن يخبرنا أحد عن ماهية الصيد القادم؟.

المتعة الحقيقية في فعل الأشياء مدفوعة بالرغبة في عملها أيا كانت النتائج، كيف لنا أن نعرف ما تمنحنا إياه هذه المتع لولا تجربتها كجزء بسيط مما هو أكبر، وهي تجربة الحياة نفسها؟، أو كما يقول «فولتير» في هذا الصدد: «لا يمكن للمرء أن يرغب فيما لا يعرف».

جربوا لتعرفوا، احبوا تجاربكم الخاصة، اخرجوا منها المتعة الكافية لإبقائكم ممتلئين ومؤثثين تماما من الداخل. اعدوا العدة للخروج عن أقاويل الناس وأخبار الطب والأحاديث التي تفرق بين السعادة واللذة، فلكل حدث بمردود جيد سعادته الخاصة. اهربوا من ضيق الأفكار القديمة لفسحة الحياة وتجاربها، انسحبوا من أيدي الغيلان قاتلي المتع، واستمتعوا بكل ما أوتيتم من قدرة على ذلك.