ردود الأفعال حول زيارة أحد المحسوبين على حركة حماس "المتطرفة" لجماعة الحوثي "الإرهابية" في صنعاء، كانت أكبر من الفعل نفسه. حمل البعض منها تفسيرات وتأويلات لا يتسع الشكل السياسي للحركة لاستيعابه، باعتبارها حركةً عابثة، تعمل ضد دول الاعتدال في المنطقة، من منطلق انبطاحها لنظام ولاية الفقيه في طهران.

وإذا ما فهمنا ذلك النوع من العلاقة غير المتكافئة، فسنجد أن محاولة الاستهجان الحمساوية للزيارة، عبر البيان الصادر من الحركة، والذي أعتبره "ملغوماً"، كان الهدف منها الظهور لطهران بمظهر الابن البار المُطيع وربما "الذليل"، وليس استنكار الزيارة التي قام بها عضوٌ ينتمي لها بالشكل والمنهج.

إذن اللقاء، والبيان الحمساوي - بالنسبة لي شخصياً - إنما يؤكدان أهداف الخروج عن نص الاعتدال العربي، ولي في ذلك بعض التفسيرات، سأسردها تباعاً في هذه السطور. فاللقاء الذي حصل بالفعل، يحمل في دلالته بعضاً من الإشارات، لنا في السعودية على أقل تقدير، ولطهران في الوقت ذاته. ذلك أنه من البدهي أن تجد الحركة المتطرفة في اليمن، التعاطف من نظيرتها في التخريب بقطاع غزة، استناداً على تبعية الجهتين وانكسارهما، وتدني قيمتهما المعنوية والسياسية والإنسانية، بالنسبة للجمهورية الإسلامية الإيرانية، وبالتالي فإن ما يُمكن أن تراه طهران نداً لها في المنطقة، حتماً ستعتبره تلك الجهات التابعة لها خصماً وليس حليفاً أو صديقاً، رغم صغرها على المستويات كافة.

هذا من جانب، ومن آخر، إذا ما أخذنا بتمحيص البيان الصادر عن حركة حماس، فقد حمل في طياته ما يُمكن وصفه بـ"التلميحات" للطرفين، في صنعاء، وطهران، ويتجسد ذلك في القول "إننا في حركة المقاومة الإسلامية – حماس – نثمن عالياً ونشكر وقوف الشعب اليمني إلى جانب شعبنا الفلسطيني في كل محطات جهاده ونضاله". ماذا يعني هذا؟ بكل وضوح يعني أن حركة حماس، تعتبر جماعة الحوثي ممثلاً للشعب اليمني، وهي – أي جماعة الحوثي – من اغتصبت الأرض والسلطة والإنسان في اليمن، باعتراف وإقرار من العالم بأسره، عدا أطراف معروفة، مثل طهران وحركات التطرف، كحماس وحزب الله في لبنان.

أتصور أن التلاعب بالمفردات كان حاضراً في خطاب الحركة، ويتأكد ذلك من خلال اختزال الشعب اليمني بمختلف شرائحه ومكوناته، بجماعة تشبه في خطاها ومنهجيتها المتطرفة "جهابذة قطاع غزة". وهذا بكل شكل من أشكال السياسة والطبيعة والدبلوماسية وحتى الإنسانية، حرفٌ لبوصلة الحقيقة الواضحة، عن موضعها.

وهذا ما يؤكد أن الفكر السياسي الذي يمثله ويتبناه قادة حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، ينتهج خطاً مُنافياً للرصانة السياسية، عبر القفز على قضايا الأمة، والمحيط السني الذي خرجت من عباءته، لتضع نفسها عاملاً وأداةً "بخسة الثمن"، يتم استغلالها وتوظيفها لمنازعة المحيط العربي، بقرارٍ من ولاية الفقيه.

فالرد الحمساوي "السوداوي"، لم يُكن الهدف منه تنقية الأجواء أو إبداء حسن نوايا مع دولة عربية كبرى كالمملكة العربية السعودية، تخوض حرباً مع جماعةٍ إرهابية في اليمن، بل من أجل تصحيح موقفها أمام الجمهورية الإيرانية، التي تُعزز من إرهاب تلك الجماعة في مواجهة المملكة.

أستطيع القول إن أبناء منطقة الخليج بأسرها، والسعودية تحديداً، راقبوا كلمة رئيس حركة حماس إسماعيل هنية، بعد الهدنة، التي لو لم توافق عليها تل أبيب لتحول قطاع غزة إلى كتلة من رماد، وقال فيها بالنص "ما كان قبل معركة سيف القدس ليس كما بعدها، فتحت الباب لمراحل جديدة تشهد الكثير من الانتصارات، وبناء الإستراتيجيات على كل المستويات، فتلك المعركة قفزة نوعية ونقطة تحول للمقاومة الإسلامية في فلسطين".

وتفسيرُ ذلك بالنسبة لأي مراقب أو متابع، يعني أن الجماعة مستمرة في مناكفتها لمن تعتبر قوةً عسكرية أكبر منها من الناحية الإستراتيجية. ومعنى ذلك بالنسبة - لي شخصياً - أنه صوت عال نابعٌ من ضجيج مصدره طهران، خرج من قطاع غزة، استناداً على نَفَسٍ إيراني صرف.

فالمفردات التعبوية التي تستخدمها حركة حماس متوافقة مع الوتر الذي تجيد ولاية الفقيه العزف عليه، ما تسبب في حرف القضية الفلسطينية منذ عقود عن خطها التاريخي، بعد فرض اعتبارات تُنكر المساندة والدعم الخليجي، وعلى رأسه السعودي.

وانقلب الأمر لتتحول القضية لورقة تستخدمها دول وكيانات، كإيران، ولبنان، وبعض المتطرفين في العراق، وصولاً إلى كيانٍ يُعبّر عنه ثُلة من المجرمين في صنعاء.

فالتلون المعروف عن الشخصية السياسية الحمساوية، دفع لأن تكتسب الحركة بعضاً من الأخلاقيات السياسية التي اعتادت على تكريسها بعض القيادات العربية المستبدة، كجمال عبد الناصر صاحب شعارات الوحدة العربية "المزيفة"، ونظام صدام حسين البائد، وحافظ الأسد، والمعتوه معمر القذافي، إلى أن بلغ الأمر وقتنا الحالي، من خلال ارتهان حركة حماس لمشروعين.

الأول منهجية ولاية الفقيه رغم الفروقات والأهداف بين الطرفين، ومشروع سيد أنقرة "العصملي"، الذي يسعى إما لاستعادة الحلم الإمبراطوري التركي المقيت، أو حمل لواء مشروع جماعة الإخوان المسلمين الكبير، وأسهم ذلك بشكل كبير في تدني شعبيتها، وحجم التعاطف مع مشاريعها وحروبها التي في غالبها ما تكون "مفتعلة".

أجزم بأن الشعور بالأسى الذي يتسيد المشهد في الخليج، النابع من تحول الخط السياسي لحماس، مقروناً بحالة النكران بحق أبناء المنطقة، من المستحيل حرفه إلى وضعٍ نرجسيٍ وردي اللون، يُمكن أن تصل من خلاله الجماعة لاكتساب تعاطف أو سماح الشرائح الخليجية، جراء ما أكدته الحركة من عدم الوفاء لمن حملوا لواء قضايا لا ناقة لهم فيها ولا جمل على مدى عقودٍ مضت.

إن الفخ الذي وقعت به حركة المقاومة الإسلامية، ودفعها إلى تحويل حالة البراغماتية إلى سياسة انبطاح لدى نظام الولي الفقيه، لا يُعبر عن نقص في التأييد، إنما دليلٌ على فراغ في الحجة، وليس فراغ القضية التي يقتات عليها كثير من السياسيين الفلسطينيين، نظير ذهنية وضمير متدني القيمة، سطحي المضمون. من هنا فلا مانع من وصفهم بـ"البراغماتيون المنبطحون"، الذين سيكونون يوماً ما، مُهندسي سقوط مشروع نضالهم، وتبخر فكرتهم الأساسية في العالم العربي والإسلامي، جراء وضعها على قوائم ومؤشرات المراهنات السياسية.

وسنرى إن غداً لناظره لقريب.