«وكأنها ترتدي قناعا رسمت عليه ابتسامة لطيفة.. أحيانا تكون صامتة، وأحيانا أخرى تتحدث بطرافة مع المحيطين بها.. تبالغ في الابتسام ونوبات الضحك المفاجئة، خاصة عند اقتراب دخول المساء، وتحاول أن تحاور كل المحيطين بها».. عبارات شخّصت فيها «أم نواف» حالة ابنتها، التي انفصلت قبل شهر عن خطيبها، قبيل إتمام الزواج. وبحسب قولها: «توقعت من ابنتي أن تدخل في نوبة حزن واكتئاب حادة، إلا أن المفاجأة كانت غير متوقعة، فهي لم تبد أي ردة فعل تجاه هذه التجربة، على الرغم من أنني أعلم أنها تجربة مريرة عليها».

اكتئاب مبتسم

ما لخصته «أم نواف» هو حالة من الحالات التي تمر على كثير من الأسر دون أن يتم الانتباه إليها كثيرا، على الرغم من عواقبها الوخيمة، وارتداداتها العصية، وهو الأمر الذي حذرت منه استشارية الطب النفسي هدى حسن البشير، التي فسّرت الحالة بقولها: «الحالة السابقة تعد من أخطر أنواع الاكتئاب، وهو ما يسمى «Smiling Depression»، أي «الاكتئاب المبتسم»، حيث يرتدي الشخص قناع السعادة أمام الآخرين، وتكون له أعراض محددة، قد تؤدي بالشخص في نهاية الأمر لأن يكون عرضة للإدمان أو الانتحار».

ونوهت «البشير»: «هذه الفئة توهم المحيطين بها بأنها بخير، وأن الصدمة لم تكن مؤثرة عليها، وذلك من منطلق المكابرة، وعدم الرغبة في شحذ الاستعطاف من أحد، وهم يفضلون الانزواء بمشكلتهم بعيدا عن الأنظار، ويشعرون بالخجل والخزي من إظهار معاناتهم الحقيقية».

وأوضحت «البشير»: «تعّرف هذه الحالة بأنها تسمى «الاكتئاب اللانمطي»، وبالرغم من أنه غير معترف بها في الدليل التشخيصي الإحصائي للاضطرابات العقلية (DSM)، لكن صنفها الدليل على أنه اكتئاب لانمطي».

أشد خطورة

عن الآثار التي قد تنجم من هذا النوع من الاكتئاب، أفادت «البشير»: «من الممكن أن يكون أي شخص مصاب بالاكتئاب معرضا لخطر الانتحار، ولكن الفرق والأكثر خطورة أن الشخص المصاب بـ«الاكتئاب المبتسم» أكثر عرضة من المصاب بـ«الاكتئاب السريري»، لأنه يعمل بكفاءة، ويحمل الطاقة الكافية لمتابعة أفكاره الانتحارية، خاصة أن «الاكتئاب المبتسم» يكون خفيا ومبطنا وغير ظاهر، ومن ثم لا يتم التدخل السريع بالعلاج، فيزداد الأمر سوءا بمرور الوقت، لذلك يمكننا القول إن مضاعفات «الاكتئاب المبتسم» أكثر بكثير من أي نوع من أنواع الاكتئاب».

صعوبة التشخيص

ذكرت «البشير» أن هذا النوع من الاكتئاب يشكل صعوبة بالغة في التشخيص، معللة السبب في أن «أعراضه ليست ظاهرة على المريض، وأيضا الأعراض تكون متضاربة مع أعراض الاكتئاب، مما يصعب عملية التشخيص، بالإضافة إلى أن المصابين بـ«الاكتئاب المبتسم» هم أنفسهم لا يعترفون بأنهم مصابون، ويحاولون المقاومة بخلق الابتسامة الدائمة، حتي يشعرون المحيطين بهم بأنهم سعداء، وهم عكس ذلك، إلى أن تتطور الحالة ويصعب علاجها».

العلاج بالتبصير

أما عن طريقة العلاج في حال تم التشخيص بهذا النوع من الاكتئاب، فتنصح «البشير»: «الخطوة الأولى تكمن في مساعدة المصاب، وذلك بتبصيره بالحالة التي يمر بها، وأن التعبير عن المشاعر في حالات الحزن أو الصدمات العاطفية مثله مثل التعبير عن حالات الفرح».

وأوضحت: «من شأن ذلك أن يخفف عن المصاب ثقل إخفاء حالته وحملها وحده، ومن أساليب العلاج كذلك اللجوء للطبيعة والهواء الطلق، ولعب بعض التمارين اليسيرة، وممارسة الرياضة، وتحسين المزاج بزيارة الأماكن اللطيفة مع الأصدقاء المفضلين، ويمكن اللجوء للعقاقير في الحالات التي تتطلب التدخل والمتعسرة».

ضحايا محتملون

من زاوية أخرى، ذكرت التربوية والمهتمة بمواقع التواصل الاجتماعي أمل الشبيب: «هذا النوع من الاكتئاب يقع في مغبته مرتادو وسائل التواصل الاجتماعي، فالبعض يظهر فيها للناس خلاف ما يبطن، خاصة في حال كان الشخص يتمتع بشهرة عالية، وله كم من المتابعين، ولذا نجده يلجأ إلى قناع السعادة، وهو في الأصل مصاب بهذا النوع من الاكتئاب».

وتابعت: «بقدر الإمكان يحاول هؤلاء إخفاء الصدمات النفسية التي يتعرضون لها».

وأوضحت «الشبيب»: «للتربية الأسرية دور فعال في مثل هذه الحالات، خاصة عندما يتعرض أحد أفرادها لموقف محزن، ولا يستطيع التعبير عنه، ويحاول إخفاءه بشتى الطرق وأقصرها، ومنها الابتسامة التي يحاول جاهدا رسمها على وجه كئيب من الداخل، وهذه الابتسامة المضللة المخفية قد تؤثر على صحته النفسية، وبالتالي الجميع يقع في مغبتها، وهنا يأتي دور الأسرة بكل أفرادها، لاحتواء الموقف، ومحاولة التشجيع على تجاوزه، ولا سيما إظهار الانفعال الصحي المصاحب للموقف».

الاكتئاب المبتسم (الضاحك)

-يبدو خلاله الشخص سعيدا، بينما يعاني في الحقيقة أعراض اكتئاب داخلية.

-أصحابه يضعون قناعا للعالم الخارجي يُظهر أنهم يعيشون سعداء.

-من أنواع الاكتئاب.

-أقرب تسمية علمية له «الاكتئاب اللانمطي».

-انتشر بشكل واسع في الآونة الأخيرة.

-يعرض المصاب به للانتحار.

-يصعب تشخيصه.