قد يعتقد الشخص للوهلة الأولى عند سماع هذه العبارة أن الموضوع عبارة عن مزحة أو تهكم بأزمنة غابرة، حيث يقطن الجهل في أرجاء الحياة عندما كان ينظر لأي أمر تحت بند (نظرية المؤامرة). ولكن الواقع الصادم أن هناك من يردد ومتيقن من هذه العبارة في 2021، والأكثر استغرابا وتعجبا أن بعضا ممن يرددون تلك العبارات ذو مكانة علمية ليست بالبسيطة!.

فمحور الكون يعتقد أن كورونا ما هي إلا مؤامرة للقضاء عليه، وأن تخطي الفيروس لحاجز سور الصين العظيم، هو تخطيط دولي للوصول إليه، ومن ثم فإن إلزامه بالحجر والبقاء بالمنزل، لا يعدو عن خوف كبرى اقتصادات العالم من نشاطه وتحركاته وعمله، فهو مؤمن تماما بأن كورونا مؤامرة، وتبعاتها من حجر وإجراءات وجرعات كذلك.

وليت محور الكون توقف عند ذلك الحد من السيناريو السوداوي المؤامراتي، بل امتد لأكثر من ذلك، فهو يرى أن كل السبل لإيصال الفيروس له لم تنجح، وبالتالي فإن المختبرات الطبية والمنظمات الصحية حول العالم، قررت تغيير خطتها واستهدافه عبر لقاحها. هذا التناول التهكمي هو أدق وصف يمكن أن نتعاطى به مع من يرى في جزئية التطعيم أنها مؤامرة. لا أتحدث هنا عمن يرفض اللقاح لمخاوف صحية، أو من لديه فوبيا من أي نوع من الإبر، ولكن الحديث يدور حول فكرة المؤامرة المتجذرة في عقلية البعض.

ولاستيعاب حجم تناقض هذه الفئة (ليست البسيطة للأسف)، فهم كانوا يرون عدم إيجاد لقاح، مؤامرة، وحين وجد، النظرة لم تتغير، وبالتالي فإن النتيجة الحتمية لتلك الفئة أنهم يعانون من صراع مع ذواتهم، والأسوأ ترويجهم لهذا الفكر المتحجر لمحيطهم.

نظرية المؤامرة ليست وليدة كورونا، فهم يرون في أجهزة الهواتف مؤامرة، وفي مطاعم الوجبات السريعة وقيادة المرأة كذلك، وفي كل مستحدث يعتقدون أنه موجه ضدهم. وليت أحد تلك التنبؤات صدقت بل كان الوقت كفيلا بكشف نطاق ذهنيتهم المترددة، والأدهى من ذلك أنهم بعد فترة من الزمن، هم أول من يرتد على أقاويلهم، ويمارسون ما كانوا ينظرون له بأنه متآمر ضدهم.

وعلى سبيل التناقضات، ذهنيتهم لم تستوعب المؤامرات الحقة، أو البرامج الدعائية التي تستهدف الأوطان والكيانات والأشخاص وتسعى لهدم استقراره، ففرزهم لذلك النمط من المؤامرات ضعيف جدا، بل لا يدركونه ويتحولون إلى سذج قد ينطلي عليهم أي أمر من هذا النوع.

فكرة المؤامرة واردة في أي مجال من مجالات الحياة، ولكن تجنب العيش تحت وطأة ذلك الفكر والإيمان به لدرجة أن يقيد مساحة فكرك، ويغيب منطقك، وتسليم عقلك لأفكار وأوهام.

يقول عالم الاجتماع إيفرت روجرز عمن يتقبل الأفكار الجديدة بشكل أسرع، إن هناك المستخدمين الأوائل: وهي أسرع فئة في استخدام وتقبل الأفكار الجديدة، وهم أصحاب شخصيات منفتحة على الآخرين وتتقبل الاختلاف، وهم غالبا لديهم تجارب حياتية اجتماعية كثيرة. وهناك الغالبية الأولى: وهؤلاء يؤيدون الأفكار بعد فترة من الزمن منذ ظهورها ويحتاجون فترة أطول، لتبني الفكرة مقارنة بالمستخدمين الأوائل، وهذه الفئة لديها تجارب اجتماعية وحياتية منوعة.

أما الغالبية المتأخرة: وهؤلاء يتبنون الفكرة بعد أن يتبناها معظم أفراد المجتمع، ولديهم دائما شكوك تجاه الأفكار الجديدة. في المقابل لديهم رغبة في تقبل الفكرة، لكن لديهم خوف من الخروج عن السائد. وفئة المتأخرون: وهم آخر من يتبنى الفكرة ويخافون من أي جديد قبل حتى معرفه تفاصيله، وهؤلاء الأشخاص لا يحبون التغيير، متمسكون بالعادات والتقاليد، وعلاقاتهم مع أقربائهم وأصدقائهم فقط، وتجاربهم الحياتية محدودة وهم من يقول لك (لا تطعم تراها مؤامرة).