النرجسية السياسية الأمريكية باتت ذات رائحة نتنة، متناقضة وكاذبة. تعتمد تجاهل مصالح الدولة العميقة، لحساب تصفية الحسابات الشخصية بين إدارة سابقة ولاحقة.

وصف ذلك الأمر لا يُمكن أن يكون إلا -وبمنطق صريح- جهلا سياسيًا خالص القول والمعنى والتطبيق. تقصف طائرات الـ إف 15، والـ إف 16 الأمريكية بأمرٍ من الرئيس الذي لا يعلم ما يريد أكثر من توتير علاقة مع دول الاعتدال في الشرق الأوسط، قبل أسبوعين مواقع وصفتها وزارة الدفاع الأمريكية أنها «أذرعةً لإيران»، في العراق، وسورية. المرمى كان الحشد الشعبي، بعد أقل من 48 ساعة من احتفال كبير حضره رئيس الوزراء العراقي هو الأضخم من نوعه، إذ استعرضت الميليشيات قدراتها العسكرية وطائراتها المسيرة دون طيار، بمناسبة الذكرى السنوية السابعة على تأسيسه، ويحضر مندوبو الإدارة الأمريكية جلسات المفاوضات مع إيران في جنيف!. قد يتساءل البعض أو يرى، أن ذلك شكلاً من أشكال التفاوض أو «المكر السياسي» الذي يفترض وضع «السلاح على الطاولة»؛ لا سيما مع دولة مارقة كالجمهورية الإيرانية، هذا سؤالٌ مشروع. وإجابتي عنه، لا، لماذا؟.

لأن ملف التفاوض يعتبر منقوصًا، لتجاهل الولايات المتحدة الأمريكية ممثلةً بالإدارة الحالية، عاملين مهمين. ما هما؟. ملف الصواريخ البالستية، ودعم إيران لجماعات التطرف والإرهاب الشيعي بالمنطقة، التي تبجحّت واشنطن أنها نفذت عمليات جوية ضدها. وهذا كذبٌ في وضح النهار وتزييف يستهدف الرأي العام الأمريكي الداخلي، والدولي، قولاً واحدًا وبعيدًا عن التزلف والمجاملة.

فاللعب أصبح على المكشوف، والقواعد اختلفت، والأسلوب السياسي الذي تمارسه إدارة جو بايدن يحكي عن أولاً، غسل الأسلوب «الترمبي» في التعاطي السياسي. وثانيًا -وهذا ما لا أتمناه حتى إن كنت أتوقعه- انتقام من دول المنطقة، ودول الخليج، على رأسها المملكة العربية السعودية، كون تلك الدول توافقت مع الأسلوب السياسي للإدارة الأمريكية السابقة، ليس مجاملةً للرئيس، إنما كون مشروعه أو خطه السياسي يتناسب مع الحد الأدنى لمتطلبات استقرار المنطقة، التي تعتبر مصدر تمويل العالم بالنفط والطاقة، وهذا لن يتحقق إلا بثني المشروع الإيراني عن نموه وتوسعه.

قرأت كثيرًا في المناهج السياسية الأمريكية، ووجدت أنه إذا ما تعمقنا في الفكر السياسي الذي يمثله جو بايدن وطاقم إدارته، فسنلمس أنه بعيد عن الأسباب السابق ذكرها، وبصرف النظر عن المصالح العليا للولايات المتحدة الأمريكية، فإن الرجل يسلك منهجًا يعتمد على التخبط المبني على عقدٍ نفسية داخله، يؤكدها غض الطرف عن إدارة الشر الإيرانية، في العراق وسورية ولبنان واليمن، مقرونًا بتجاهل الدعم المُقدم من طهران للجماعات المتطرفة في تلك الدول.

وإذا أخذنا تعامل واشنطن مع الملف اليمني، سنجد أن السكوت الـ«بايدني» عن تحكم جماعة مارقة إرهابية لطالما رفعت شعار «الموت لأمريكا» في الدولة اليمنية، بديلاً عن الشرعية التي ارتضى بها العالم أجمع من باب النكاية بالمملكة، وذلك يحقق من حيث لا تعلم الإدارة الامريكية المصالح الجيوسياسية لإيران، ما الدليل؟.

الدليل أن واشنطن لم تنظر لما يحدث من اختراقات إيرانية مُمنهجة عبر ربيبها «الحوثي»، تجاه الأراضي السعودية، وإن حدث ذلك، يحدث بخجل.

هذا من جانب، ومن آخر يحكي صورة من صور التناقضات الأمريكية، فيمكن فهم قصف مواقع قوات الحشد الشعبي بين العراق وسورية، على أنه رسالة تعني منع الاقتراب من المكونات الكردية في الحدود الثلاثية «العراق وسورية وتركيا»، لتضع ذلك فزاعةً وورقة لابتزاز الجانب التركي «وهو يستحق ذلك»، وورقة أخرى لوضع قدم لها في سورية لمواجهة روسيا.

الأهم من ذلك، أقول إنه وإن حاول أحدنا تصديق أن الإدارة الأمريكية تسعى لتقليم أظافر طهران بالمنطقة، فمن باب التساؤل المشروع، لماذا تقصف طرفًا منها في أقصى شمال العراق، وتتغاضى عن آخر يتغذى من المصدر ذاته، في الخاصرة الجنوبية للمملكة العربية السعودية، بل وتعمد رفعه من قوائم الإرهاب!.

إن التكالب الذي تتعامل به واشنطن وبعض الإدارات في الدول الأوروبية، مع دول المنطقة التي من حقها الدفاع عن كياناتها وسياساتها، والذي يعتمد على تغذية أطراف تعمل على دعم الإرهاب العالمي، ستتفاجأ في يومٍ من الأيام برد فعلٍ عكسي للتطرف، الذي قامت برعايته بنفسها، ووقتها لن يُفيد الندم.

فقد قاموا خلال فترةٍ تاريخية يعرفها الجميع بتغذية الإرهاب الـ«سُنيّ»، لمواجهة الاتحاد السوفييتي. وآن لهم أن يذوقوا نكهة التطرف الـ«شيعي».

فالذي يتخيلون أنه «غصن توت» وقدموه يومًا لأسامة بن لادن، سيتحول إلى «شجرة صبّار» مع الوقت، ولا مجال لهم إلا تحمل أشواكها، والرقص عليها بأقدامهم حتى وإن كانوا راقصي «تانجو». لأنهم لم يصغوا لشعار «الموت لأمريكا».. ولا لنصائحنا.

لذلك، ما أجمل النظر لهم يقفون ليس على أصابع أقدامهم، بل على رؤوس أظافرهم، والأيام بيننا.