تشكل ظاهرة التسلل عبر الحدود البرية والبحرية هاجسًا يؤرق بال الأجهزة الأمنية لما تحمله من مهددات أمنية بالغة الخطورة، وما يمكن أن تسببه من مشكلات معقدة، ليس على الجانب الأمني فقط، بل على الصحة العامة والنسيج المجتمعي. فالمتسللون ليسوا كلهم مجرد أشخاص فقراء يبحثون عن الرزق بطرق غير مشروعة كما يتصور البعض، بل إن بينهم جواسيس يقومون بأعمال الاستطلاع لجماعات إرهابية، ويرسلون الإحداثيات للعدو ليقوم باستهداف المناطق الحدودية، إضافة إلى وجود أعداد كبيرة من اللصوص والخارجين على القانون الذين يمتهنون تهريب وترويج المخدرات والأسلحة والخمور والعملات المزيفة، وغيرها.

كما تتزايد المهددات التي تترتب على وجود المتسللين في هذا العصر الذي انتشرت فيه الأمراض المعدية مثل جائحة كورونا التي يشهدها العالم حاليًا، فهؤلاء المتسللون يحملون في الغالب فيروسات تلك الأمراض بسبب إهمالهم لأنفسهم وتجاهلهم لقواعد الوقاية وعدم توفر الرعاية الصحية في بلدانهم، فهم قادمون من دول تكثر فيها الأمراض المعدية.

الجانب الآخر في الخطورة التي يشكلها المتسللون هي أن الخارجين على القانون منهم يقطنون عادة في مناطق شديدة الوعورة مثل قمم الجبال أو وسط الأحراش، حتى يضمنوا وجود بيئة قاسية تجعل من الصعوبة ملاحقتهم، ويلجؤون خلال محاولاتهم للفرار من القوات الأمنية إلى إشعال النيران في الغابات وافتعال الحرائق التي تلتهم كميات كبيرة من الأشجار، كما حدث في منطقة عسير عدة مرات، وهو ما يتسبب في خسائر بيئية ضخمة وإشغال للأجهزة المختصة بمحاربة الحرائق.

كذلك فإن غض طرف البعض عن المتسللين والتعاطف معهم وعدم الإبلاغ عنهم يؤدي إلى ازدهار ظاهرة الاتجار بالبشر، فهناك أعداد من المتسللين الذين يحاولون الدخول إلى أراضي المملكة عبر وسطاء انعدمت في دواخلهم كل معاني الإنسانية والرحمة، ولم يجدوا ما يتاجرون فيه غير الأنفس البشرية، فيأخذون أعدادا كبيرة من البؤساء ويقودونهم عبر دروب وعرة، غير مبالين بالألغام التي قد توجد في تلك الطرق، إضافة إلى خطر الموت غرقا.

ومع أن ظاهرة التسلل عبر الحدود باتت خطرًا عالميًا تواجهه جميع الدول، وتشكل تهديدًا أمنيًا واقتصاديًّا واجتماعيًّا وصحيًّا، حيث تتخذ جميع الحكومات الإجراءات اللازمة لمنع الدخول غير الشرعي إلى بلدانها، إلا أن المملكة تواجه تزايدًا في محاولات التسلل إلى أراضيها، لأسباب كثيرة في مقدمتها ما تشهده من نهضة اقتصادية وارتفاع في مستوى الدخل، وكذلك اتساع مساحتها وترامي أطرافها، إضافة إلى وجود اضطرابات في بعض الدول التي تقع في محيطها الإقليمي مثل سورية واليمن والعراق ولبنان.

ففيما يتعلق بالحدود الجنوبية للمملكة، على وجه التحديد، تبرز خطورة وقوع بعض المتسللين في أيدي جماعة الحوثيين الانقلابية التي تمارس أبشع أنواع الابتزاز بحقهم، حيث تساومهم بالقتال في صفوفها لفترة معينة، قبل السماح لهم بمحاولة اجتياز الحدود السعودية، وهو ما سبق أن أكدته جهات دولية واعترفت به الجماعة الإرهابية نفسها.

بالرغم من كل تلك المخاطر التي تحدق بالوطن، إلا أن البعض - للأسف - امتهن مساعدة المتسللين، وتورطوا في مساعدتهم ونقلهم وإيوائهم وإدخالهم إلى أراضي المملكة، نظير مبالغ مالية، غير عابئين بخطورة أعمالهم ولا مدركين لعواقبها، وهؤلاء يعملون ضمن مجموعات إجرامية تعمل داخل منظومة من عصابات الجريمة المنظمة، لذلك برزت أهمية التصدي لهم ووقف أعمالهم غير الشرعية.

لكل ما سبق، سارعت وزارة الداخلية إلى التحذير من مغبة المشاركة في هذه المخالفة الجسيمة التي تهدد الوطن وتشكل خطرًا بالغًا على مستقبل أجياله، وأعلنت تغليظ العقوبة بحق المخالفين لتصل إلى السجن 15 عامًا وغرامة مليونية، ونبهت إلى ضرورة مشاركة المواطنين والمقيمين في التصدي لتلك الظاهرة بالامتناع عن تقديم أي نوع من العون للمهربين، والإبلاغ الفوري عن المتسللين. هذه المشاركة تعد في الوقت الحالي واجبًا دينيًا وشرعيًا وأخلاقيًا ينبغي المسارعة إلى القيام به، لأنه تعبير حقيقي عن مشاعر الامتنان لهذه البلاد، وترجمة فعلية لمعاني الولاء والطاعة للقيادة الرشيدة.

وقد يستسهل البعض خطر المتسللين وينظر إليهم بنوع من العطف على أنهم مجموعات من البؤساء الذين اضطرتهم ظروف بلادهم إلى القيام بتلك المغامرة الخطيرة، وقد يكون من بينهم من هم كذلك، إلا أن تقارير الأجهزة الأمنية تؤكد أن كثيرًا من المتسللين هم أعضاء في عصابات منظمة لتهريب المخدرات التي استغلتهم بعد أن فشل محاولات تهريبها عبر المطارات والموانئ والمعابر السعودية بسبب يقظة رجال الجمارك وحرس الحدود، فلم يجدوا غير المتسللين وسيلة لمزاولة تجارتهم المحرمة.

ولأن مصائر الدول ومستقبل الأجيال لا يمكن أن ترتهن وتتعرض للضياع بسبب حسن النية الذي قد يكون في غير موضعه فإن الحكمة تقتضي التعاطي مع هذه الظاهرة بمنتهى اليقظة والانتباه، والتعامل مع تجار البشر بكل الحزم والحسم والصرامة، فنحن دولة اختصها الله بمهمة عظيمة هي عمارة بيته الحرام ومسجد نبيه صلى الله عليه وسلم، وتهيئة المشاعر المقدسة للركن الخامس من الإسلام، وفي سبيل القيام بهذا الشرف الرفيع فإننا على استعداد للتصدي لكافة الأخطار والمهددات، وهي مهمة أثبتنا في مرات كثيرة أننا على قدرها وأهل لها.

أما أصحاب المواقف السلبية من فاقدي المروءة الذين يعملون في مجال الهجرة غير الشرعية الذين مهدوا الطريق لأعمال على جانب كبير من الخطورة وساعدوا من يستهدفون الوطن في شبابه وأمنه واقتصاده، وارتضوا تعريض بلادهم للخطر مقابل أموال قذرة ملطخة بالدماء، لذلك فإن جرائمهم ينبغي أن ينظر إليها باعتبارها موجهة ضد الوطن وخيانة كبرى لا يمكن قبولها مهما كانت المبررات، وحسنا فعلت وزارة الداخلية التي صنفتها ضمن الجرائم الكبيرة الموجبة للتوقيف، والمخلة بالشرف والأمانة.