يقول جون لوكاريه (المخابرات مقياس لصحة الدولة السياسية وهي التعبير الحقيقي الوحيد لعقلها الباطن) ولا شك أن التقارير الاستخباراتية هي أهم محركات القرار السياسي أو العسكري أو الاقتصادي لأي دولة. بل إن قوة الدولة وأمنها وازدهارها لا يمكن أن يتحقق إلا بوجود أجهزة استخبارات قوية وممكنة على جميع الأصعدة.

لكن مشكلة التقارير الاستخباراتية هي مشكلة إدارة في الغالب، فالعمل عادة يبنى على تفاصيل يتم جمعها بعد عدة مراحل، فالعملاء على الأرض يجمعون المعلومات الخام ثم هناك من يتولى توصيلها ثم آخر يتولى تحليلها وربطها بمعلومات أخرى، ومن ثم يصدر تقرير استخباراتي يسلم للمسؤول والذي غالبًا يعقد اجتماعات مع مستشارين مختارين لوضع تصور نهائي واتخاذ قرار متعلق بالتقرير.

لكن الإشكاليات تبقى موجودة في مثل هذا العمل شديد الحساسية، فقد يتم تضخيم المعلومة أو يكون هناك تحيز أو مبالغة من أحد الأشخاص في سلسلة نقل المعلومة أو لدى من قام بالتحليل أو كتابة التقرير. أو إن التقرير أغفل بعض الجوانب فمثلًا لم يتطرق لذكر الآراء المخالفة أو ردات الأفعال الواقعة أو المحتملة لدى الأطراف الأخرى، وغير ذلك من نواقص تشكل في مجملها فجوات تقلل من قيمة التقرير.

الواقع أن هذه التقارير قد تتنبأ بأخطار حقيقية يمكن تلافي وقوعها فيما لو كانت الآليات والمعالجة محوكمة وصحيحة ودقيقة. وعبر التاريخ حدثت كوارث في العالم كان بالإمكان منعها أو تقليل خطرها لو أن أجهزة الاستخبارات قامت بعمل أفضل.

ونظرًا لأهمية العمل الاستخباراتي ولطبيعته السرية فهو بحاجة دائمة للتحديث والتطوير في أدواته وكوادره وأنظمته، فلا غنى عن استقطاب كوادر ذات إمكانيات خاصة وذكاء مرتفع وقدرة على العمل تحت الضغوط والمخاوف.

كما أن التدريب على الأساليب والطرق المتطورة والاطلاع على التجارب والخبرات العالمية في هذا المجال هو أمر في غاية الأهمية.

إن حدوث الفجوات في العمل الاستخباراتي طبيعي ومتوقع نظرًا للفوارق بين كل عملية وأخرى وبيئة كل عملية وظروفها ولكن العمل على تقليص الفجوات يجب أن يكون جزءًا من العملية نفسها فلابد من إجراء تحقيقات وجلسات استماع بعد كل عملية لمعرفة أسباب الفجوة ومحاسبة المسؤول إن ثبت أن سبب الفجوة هو تفريط أو فساد إداري أو اختراق أو عمل جنائي.

كما أنه من المهم إدارة الابتكار في جهاز الاستخبارات سواء على المستوى التقني أو الإداري أو التدريبي، وكذلك على مستوى التعاون وتبادل المعلومات بين الأجهزة الإقليمية والدولية.

ومما يذكر أن القيادة الأمريكية في تسعينيات القرن الماضي شعرت بنتائج السلام العالمي الذي كانت تدعمه والنتائج الاقتصادية الإيجابية فظهرت لديها فكرة تقليل الدعم لجهاز الاستخبارات لتأتي أحداث الحادي عشر من سبتمبر فتذكرها بأن العمل الاستخباراتي هو العمل الأمني الأول، وفعلا تم بعد ذلك ضخ مليارات الدولارات في موازنة وكالة الاستخبارات الأمريكية.