في أواخر ستينيات القرن الماضي، تنبأ الرسام الأمريكي «آندي ورهول» بظهور ما يشبه وسيط إعلامي مستقبلا، يوفر للشخص العادي جدا حلم الشهرة السريع، وأطلق في إحدى مقابلاته مقولته الشهيرة: «في المستقبل، سيتمكن الجميع من أن يصبحوا مشهورين شهرة عالمية خلال 15 دقيقة فقط».

ورغم أنه في تلك الحقبة لم يكن لوسائل الإعلام ذلك الانتشار الواسع، بما يحقق نبوءة «ورهول»، إلا أنه و بعد أكثر من خمسين عاما من النبوءة العجيبة، تظهر الآن وسائل التواصل الاجتماعي - كالمفاجأة - التي حققت تلك النبوءة، فصار ما يكتبه المرء في أقصى شمال الكرة الأرضية بإمكانه أن يصل إلى أدنى الجنوب في اللازمن. فحسب إحصائيات فيجوال كابيتاليست، فإنه في عام 2020 فقط، كان معدّل عدد مستخدمي فيسبوك نحو 2.6 مليار مستخدم نشط، وهو الأعلى من بين بقية برامج التواصل، يليه في الترتيب الوحش الأمريكي واتساب، بـ ٢ مليار مستخدم نشط شهريا، وكذلك اليوتيوب وبعدها بقية البرامج!.

هذا الزخم أو التضخم الإعلامي، أفسح المجال كثيرا لانتشار المشاهير على نطاق ضخم لم يسبق له مثيل، ولأسباب تختلف -كذلك- عن أسباب الشهرة في الماضي البعيد، وحتى القريب، فصارت وسائل التواصل متخمة بالكثير من الأسماء المشهورة -على اختلافاتها- فما بين الجاد الذي يقدم محتوى علميا أو معرفيا ما، أو بين الوجه الآخر من المشاهير، الذين يتفننون في المحتوى الفارغ، تبرز ظاهرة الشهرة على مواقع التواصل كحالة تحتاج إلى التأمل والتساؤل.

فالعابر لتطبيق إنستجرام مثلا، يمكنه ملاحظة جهاد المشاهير لحصد أرقام المتابعين المقدرة بمئات الآلاف، وربما الملايين، وذلك بأي طريقة ممكنة. وكذلك الحال على فيسبوك ويوتيوب لبعض صانعي المحتوى، الذي لا يضيف قيمة تتناسب مع شهرة صاحبها، فهذا يحرك شفتيه على أنغام أغنية شعبية، فيحصد مئات ملايين المشاهدات بلا أي سبب منطقي، وآخر يصور محتوى ساخرا عن يوميات أسرته، وهذا يستعمل إفيهات الأفلام، وآخر يقلّد المعلقين الرياضيين، إلى آخر تلك القائمة الطويلة.

حتى أن البعض جعل أطفاله مادة للطرح، وسبيلا ممهدا للشهرة والتكسب. وطالعتنا مؤخرا حسابات لمشاهير من القُصر حديثي العهد بالشهرة، يوجههم -كما يبدو- ذووهم توجيها خاطئا بل شريرا، وبعض الأحيان متكئين على استخدام الجسد وعرض المفاتن والإيحاءات بصورة مقززة، في محاولة واضحة لإثارة الزوابع داخل الأوساط المستهجنة، والوصول إلى مرحلة يمكن معها التربح الإعلاني، حتى لو كان ذلك بعرض أبنائهم في «فاترينات» مستحثة للخيالات الجنسية !.

ولعل هذا النوع «المستحدث» والمقرف من الشهرة، التي تجعل الأبناء لقمة مستساغة للأذى، والمبنية على اختراق خصوصية الطفل، واستغلال قلة إدراكه، وتقديمه كآلة عرض مثيرة للخيالات السيئة، تضع الآباء في مواجهة سؤال أخلاقي، عن مدى إدراكهم لما يجري لأطفالهم، وعن تنبههم لتأثير مثل هذه التوجيهات المغلوطة، سواء آنيا أو مستقبليا، وماذا ستصنع منهم لاحقا !.

فإن كان الآباء عاجزين عن إدراك هذا، فهل ثمة إمكانية لتدخل قانوني «جديد»، صارم/‏ إجباري، يحمي الأطفال القصر من تصرفات الآباء، الساعية لشهرة أبنائهم بأي وسيلة، ومهما كانت الضريبة، دون إعطاء الأبناء حرية الاختيار؟ أم أن هذه الأسئلة في الوقت الراهن، لا تعدو كونها ضربا من المبالغة، التي لا يجدر تضخيم تبعاتها وانعكاساتها؟

يذكر في هذا الصدد أن هيئة حقوق الإنسان، جددت التأكيد على أن الأنظمة الوطنية، تعاقب بالسجن مدة لا تزيد على سنة، وبغرامة لا تزيد على 500 ألف ريال، أو بإحدى العقوبتين كل من يمس بالحياة الخاصة، عن طريق إساءة استخدام الهواتف النقالة المزودة بالكاميرا، أو ما في حكمها، حيث لا تقل عقوبة السجن أو الغرامة، عن نصف حدها الأعلى، إذا اقترنت الجريمة بالتغرير بالقُصَّر ومن في حكمهم، واستغلالهم. ونرى إمكانية استحداث عقوبات أشد وقعا وصرامة وتأديبا، للفئة التي تستهين بمثل هذه القوانين، وتواصل مسيرتها بابتكار طرق أكثر ضراوة، للحصول على حلم الشهرة فوق هياكل صغيرة، بلا حول ولا قوة لها.