يحتفل المجتمع الدولي بعد ثلاثة أيام، وتحديدا الجمعة القادم الموافق 30 يوليو، باليوم العالمي لمكافحة الاتجار في البشر، وهو اليوم التاريخي الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة بوصفه يوما عالميا في سياق الحاجة إلى زيادة الوعي بحالة ضحايا الاتجار في البشر، وتعزيز حقوقهم وحمايتها. المملكة تعد من الدول التي تولي مكافحة جرائم الاتجار في الأشخاص اهتماما كبيرا عبر منظومة متكاملة، تمثلت في إصدار نظام مكافحة جرائم الاتجار في الأشخاص، وإطلاق إستراتيجيته بمرسوم ملكي في تاريخ 21 /‏7 /‏1430. وقد تم تعريف هذه الجريمة في المادة «2»، التي تنص على «إكراه الشخص أو تهديده أو الاحتيال عليه أو خداعه أو خطفه، أو استغلال الوظيفة أو النفوذ أو إساءة استعمال السلطة عليه، أو استغلال ضعفه، أو إعطاء مبالغ مالية أو مزايا أو تلقيها، لنيل موافقة شخص له سيطرة على آخر»، بالإضافة إلى انضمام المملكة إلى الاتفاقيات والبروتوكولات التي تعنى بتلك الجرائم، وتشكيل لجنة لمكافحتها، واعتماد العمل بآلية الإحالة الوطنية بهدف توثيق حالات وقضايا الاتجار في الأشخاص، بدءا من رصدها حتى الفصل فيها، وإرشاد العاملين في الجهات المعنية بالإجراءات التي ينبغي اتباعها في كل مرحلة، وفقا لنظام مكافحة تلك الجرائم.

قبل أسابيع صدر التقرير السنوي الأمريكي للاتجار في البشر، وهو ضمن خمسة تقارير تصدر تنفيذا لطلب «الكونجرس» حول موضوعات الإرهاب، والمخدرات، والحريات الدينية، وحقوق الإنسان. ويعد هذا التقرير من أكثرها حرفية، ووضوحا في المنهجية، وتوظيفا للمعايير الدولية، ومع ذلك لم يحظ بالدرجة نفسها من التغطية الإعلامية التي حظي بها تقرير حقوق الإنسان الأمريكي الذي صدر قبل فترة قصيرة. يصنف التقرير الدول في مدى التزامها إلى أربعة مستويات، حيث يمثل المستوى الأول الدول الملتزمة بمكافحة الاتجار في البشر، والرابع هو عدم الالتزام.

المملكة حازت، للعام الثاني على التوالي، المستوى الثاني في تصنيف مؤشر مكافحة الاتجار في الأشخاص، وفقا للتقرير الصادر من وزارة الخارجية الأمريكية المتعلق بتصنيف الدول في مجال مكافحة الاتجار في الأشخاص، وهو مركز يعد إيجابيا في المنظومة الدولية لحقوق الإنسان.

وتزامنا مع هذه المناسبة، أجد أن موضوع استغلال الأطفال في مواقع التواصل الاجتماعي يعد انتهاكًا صارخًا لنظام مكافحة جرائم الاتجار في الأشخاص، إذ دائمًا ما نشاهد، ما بين فترة وأخرى، أطفالا أبرياء يستغلون في المشاركة في إثارة بعض القضايا الاجتماعية، والتسويق الدعائي لبعض المنتجات كعارضات أزياء مثلا، خاصة في تطبيق «سناب شات». كل ذلك من شأنه أن يترك أثرا سلبيا في نفسية الطفل، كونه يظهر بشكل مستمر ومتكرر في مواقع التواصل الاجتماعي.

الإجراءات الجزائية في المملكة تؤكد عدم استغلال الأطفال كسلعة لكسب الأموال في شبكات التواصل الاجتماعي، أو الإساءة إليهم في مقاطع مصورة، لجذب مزيد من المتابعين، حيث يعاقب النظام بالسجن لمدة لا تقل عن شهر ولا تزيد على سنة، وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف ريال ولا تزيد على خمسين ألف ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من ارتكب فعلا شكّل جريمة من أفعال الإيذاء المنصوص عليها في النظام. وعليه، يجب أن تتخذ كل التدابير القانونية على أرض الواقع، فلا تكون مجرد نصوص شكلية، ولا يتم تعطيلها، أو عدم تطبيقها، وإنما ينبغي أن تسري على جميع الحالات المشابهة باللجوء إلى القضاء، بحيث تكون قراراتها وأحكامها ملزمة، لا تقبل التعطيل أو التماطل.