في وقت تداول فيه كثيرون فيديوهات تعرض صورا لوعول، تنطلق في بعض شوارع المدن، قلّل مسؤولون من خطوة الأمر عليها وعلى المارة، معتبرين أن خروجها للشوارع في طريقها إلى محمياتها الطبيعية لا ضير فيه، لكن الخطر الحقيقي عليها تمثل في المطاردين الذي لاحقوها وأجهدوها وأدوا إلى نفوق بعضها، حيث يتخلى البعض عن الوعي البيئي، ويطارد تلك الحيوانات لاصطيادها لأكل لحومها، أو الحصول على جلدها والقرون، وربما استخدام روثها في توفير علاجات شعبية، يشاع أنها تعالج جميع أنواع الأمراض.

ولأن الوعل مر بفترة بات فيها مهددا بالانقراض، فإن الحكومة تنبهت للأمر، وأقامت له محميات خاصة ضمنت تكاثره، وتم العمل أخيرا على إطلاق بعض تلك الوعول إلى حياتها الطبيعية في الجبال والأودية، ومنها إطلاق 20 وعلا في يونيو الماضي في منطقة الباحة.

إعادة توطين المهددة

بيّن مستشار الرئيس التنفيذي للمركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية، المشرف على مراكز الأبحاث والإكثار، وبرامج إعادة التوطين، أحمد البوق لـ«الوطن» أن «البرنامج الوطني للإطلاق وإعادة التوطين للحيوانات المحلية المهددة بالانقراض، ينفذه المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية، وله مستويان، أولهما إعادة التوطين في المحميات الطبيعية، بهدف استعادة الأنواع المحلية المهددة، أو تعزيزها لإيجاد مجموعات قادرة على التكاثر الذاتي، ضمانا لاستدامة الأنواع والنظم البيئية في تلك المحميات. وثانيهما، الإطلاق في المتنزهات الوطنية بهدف رفع مستوى الوعي العام بالحياة الفطرية، ورفع مستوى الشراكة المجتمعية وجاذبية المتنزهات الوطنية، واستعادة التوازن للأنواع المستهدفة عبر إطلاقها في المتنزهات الواقعة في الممرات الآمنة، بين المناطق المحمية والمناطق الطبيعية، وهذا يهدف لإيجاد مجموعات متوازنة ومتصلة بين المناطق المحمية وبيئاتها الطبيعية». وتابع «أطلق المركز في الموسم الماضي وفي 15 موقعا، أكثر من 400 من الظباء والوعول والمها العربي، في المحميات والمتنزهات الوطنية، وحقق بعضها نجاحا لافتا، وتضاعفت الأعداد المطلقة بالتكاثر الطبيعي في بعض المتنزهات إلى 3 أضعاف خلال عامين». وأكمل «اختير متنزه الشكران في إطلاق 20 وعلا، لوقوعه ضمن منطقة التوزيع الطبيعي للوعول ومحاط بمناطق جبلية طبيعية، وبداخله منطقة معزولة كثيفة النباتات بعيدة عن جلسات زوار المتنزه، وعليه سياج كان بحاجة للصيانة والتطوير، لكن سياجه الذي لم يكن بالمستوى، أدى لتسرب الوعول خارجه بسبب إزعاجها من بعض مرتادي المتنزه، والتسرب البسيط للوعول خارج المتنزه ليس مشكلة لو تم بطريقة مرنة، لأنها تتجه للمناطق الجبلية الطبيعية المحيطة، ولكن مطاردتها من البعض تسبب في إجهادها ونفوق بعضها».

نقل الوعول

يضيف البوق «نقلنا بعض الوعول من المتنزه لمركز الإكثار، لإعادة تأهيلها تمهيدًا للإطلاق القادم بعد تدارك السلبيات وتعزيز الإيجابيات. ومن المهم معرفة أن عمليات الإطلاق وإعادة التوطين، سواء كانت في المحميات أو المتنزهات الوطنية، محفوفة بكثير من المخاطر وإن لم تكن ظاهرة، ويقوم المركز وفق ذلك بمسح المتنزهات الوطنية، الملائمة لبرنامج الإطلاقات في كل مناطق المملكة، ونعمل حالياً على إنشاء مسيج في متنزه الشكران بمواصفات خاصة، يكفل للوعول مكانًا آمنا في المتنزه ولمرتاديه فرصة رؤيتها وتصويرها وتعلم كثير عن حياتها وأدوارها في النظم البيئية».

مقاطع ذبح وسلخ

تداول مغردون مقاطع ذبح وسلخ للوعول، ونسبوها للوعول التي أطلقت في الباحة، وهو ما ينفيه البوق، بقوله «أعلن المركز أن مقاطع الذبح والسلخ للوعول لا علاقة لها بالباحة، وهي مقاطع قديمة، وبعض المقاطع التي تبث على وسائط التواصل ومع الأسف في بعض القنوات التلفزيونية، مصورة من خارج المملكة في رحلات صيد». وأضاف «كثير من السلبيات التي تبث عبر مواقع التواصل، يتم تضخيمها من خارج المملكة بواسطة الـ «ذباب الإلكتروني»، ونحن نعول على وعي المواطن في عدم تكريسها بإعادة بثها». وأضاف «منذ إطلاق مركز برنامج الإطلاق وإعادة التوطين، وعمليات الإكثار للأنواع الفطرية المحلية مفعلة لحدها الأقصى في مراكز الإكثار، وقد نصل إلى أضعاف ما أطلق في الموسم الأول، ما يعني إطلاق المئات من الحيوانات الفطرية المحلية، المهددة بالانقراض في المحميات والمتنزهات الوطنية وتفعيل الممرات الآمنة». ويعمل المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية على مشروع، لحصر وتسجيل المجموعات الخاصة من الحيوانات الفطرية، والمركز مهتم على وجه الخصوص بالمجموعات المحلية الصافية وراثياً، والمعروفة المصادر والمعتنى بها بطريقة سليمة، ويعمل على تقديم الاستشارات وإغناء التنوع الوراثي لتلك المجموعات، ووضع المعايير للعناية بها وترخيصها لتعظيم الفائدة منها.

محميات بجهود شخصية

قبل نحو 11 سنة، قدم عبدالحكيم السويد، نموذجا رائعا لتهجين الوعول، ولأنه خبير تهجين، استهوته الفكرة لعشقه للوعل العربي وخشيته من انقراضه في الجزيرة العربية، فأمضى نحو 7 سنوات في تربية الوعل في غير بيئته الأصلية، وأدخل على الوعل ماعز جبلي بمواصفات وألوان معينة، حيث أصبحت النتائج فيما بعد مفاجئة ومشجعة، كانت بدايته في التهجين عندما اشترى 200 رأس من الماعز الجبلي الجنوبي القريبة مواصفاته من الوعل شكلاً ولوناً، وكان هدفه من مشروع التهجين المحافظة على سلالة الوعول النوبية وتكثيرها، لأن مردودها على الوطن كبير، وتنعش أهم فصيلة نادرة في الحياة الفطرية. وتوقع السويد حينها، أن يتزايد دور المحميات الخاصة خلال 5 سنوات قادمة. ولأن تربية الوعول يسيرة نسبيا لو وجدت المكان المناسب، الموفر لسبل عيشها وراحتها، فقد أقدم الشاب محمد العمراني من أهالي قرية علقان بتبوك، على إنشاء محمية خاصة بالوعول بمنطقة جبلية خوفاَ عليها من الصيادين، وقال «اشتري الوعول الصغيرة ممن يعرضها للبيع، وأعيدها إلى بيئتها الطبيعية لتتكاثر وأقوم برعايتها والاهتمام بها».

محمية الباحة

يقول سعيد عالي الزهراني، وهو يمتلك محمية خاصة في الباحة «اسميت محميتي الخاصة «محمية الباحة» بمركز بني عدوان بمحافظة القرى، بداية اقتنيت 3 غزلان قبل 6 سنوات، أتيت بواحد من الطائف واثنين من الخرج، وطورت العمل وجلبت أنواعا أخرى مثل الريم العربي، إلى أن أصبح عددها 6 من الريم، والوعول 5، والفلودير 5، وحالياً سيأتي صغار جدد ويكبر العدد».

وأضاف «الغزلان تشابه الأغنام في تربيتها فهي تأكل البرسيم والحشائش والشعير، وهي ليست مكلفة في الأكل، يكفيها كيسان من الشعير وما يقارب 5 ربط علف في الشهر الواحد، وتتأقلم مع الأماكن الباردة ويناسبها صيف الباحة».

وأكمل «حاولت أن أوجد استثمارا داخل المحمية، برسوم زيارة لها للشخص الواحد 10 أو 5 ريالات، لكني لم أجد أي دعم، وحاليا أنسق مع مهرجان الأطاولة، لنقل الغزلان خلال أيام المهرجان داخل مزرعة في نفس مقر المهرجان، وأتمنى تهيئة مكان للغزلان داخل غابة رغدان، أو أي مكان مناسب، لتكون محمية لمنطقة الباحة».

تحذيرات ومخاطر

يبين الزهراني أنه حذر من إطلاق وعول بلجرشي لعدة أسباب، منها أن هناك كلابا سائبة تدخل المتنزه، كما أن خروج الوعول من المتنزه يعرضها للاصطياد، ناهيك عن شجرة سامة تعيش في المناطق الجبلية، تقتل الإبل والأغنام بجميع أنواعها عندما تأكل منها. وأضاف «تم التنسيق مع شخص من قِبل مركز الحياة الفطرية بالوزارة من الرياض وشخصين من فرع وزارة البيئة والمياه والزراعة بالباحة، زاروا المحمية وصوروا الموقع، وكما قلت سابقاً حذرتهم من الكلاب الضالة والسباع، وتم الاتفاق على جلب الوعول ووضعها داخل المحمية، وأقروا أن المكان آمن ومناسب، وأنهم سيناقشون أمر إطلاق تلك الوعول مع الوزارة، لكني فوجئت بعدها بخبر إطلاقها في مكان آخر، ولا أعلم ما الذي تغير في آخر لحظة».

مكان غير مناسب

يرى عضو هيئة التدريس في جامعة الباحة، المستشار السابق في وزارة البيئة والمياه والزراعة الدكتور أحمد قشاش أن «المكان غير مناسب البتة لإطلاق هذا الحيوان النادر، فهو واقع داخل متنزه تقصده أعداد كبيرة من الناس، كما أنه في منطقة مركزية وقروية آهلة بعدد كبير من البشر، وكذلك يمر من أمامه طريق عام ترتاده آلاف المركبات والشاحنات بأنواعها، فتحدث ضوضاء وضجيجا يزعج هذا الحيوان اللطيف وينفره من المكان، وهو حيوان فطره الله على حياة برية نائية عن البشر وعلى مراعِ في مساحات واسعة آمنة».

وأضاف «وضع هذا الحيوان في غير المكان المناسب، وكانت النتيجة أنه جفل منه على الفور، ونفر كل رأس أو رأسين على نحو منفرد وعلى غير هدى وسط كثافة سكانية عالية، ودون خبرة بموارد المياه ولا المراعي البرية، فهلكت هذه الوعول جوعاً وعطشاً وخوفاً».

وأضاف «لو افترضنا أن المكان الذي أطلقت فيه الوعول كان مناسباً، فقد كان يجب تهيئته قبل الإطلاق، وذلك بتفقد السياج الموجود، وإقفال الثغرات التي به، مع أن هذا السياج الموجود حتى لو لم تكن به ثغرات، فإنه يعد قصيراً جداً على حيوان مثل الوعل الذي يستطيع القفز من فوقه بكل سهولة، وكان يجب أن يعد له سياجاً كبيراً داخل المنتزه بارتفاع لا يقل عن 3 إلى 4 أمتار، في مساحة محصورة لا تزيد ابتداء عن 50 × 50 مترا، على أن يكون في داخلها بعض الرجم الصخرية تتسلق عليها وبعض الأماكن المغلقة التي تأوي إليها للاختباء من الحر أو البرد، مع تكليف من يشرف على رعايتها، ولا شك أنها سوف تألف مع الوقت وجود الناس وتعتاد على الأضواء وعلى الصخب أو الضجيج الذي تحدثه المركبات.

أماكن ملائمة

عن الأماكن التي تلائم الوعول، يقول الدكتور قشاش «ما يناسب هذا الحيوان هو واحد أو أكثر من الأماكن التالية: العقاب الواقعة غرب مدينة بالجرشي مثل عقبة الأبناء، أو الجنش أو عقبة حزنة أو حميدة، وقد تمت مشاهدة الوعل قريباً في جبل دقنا مع جبل السرعوف غرب عقبة الأبناء والخيطان، أو أن يطلق في محمية شدا الأعلى، أو بأسفل وادي الجنابين في عجام فارس وما حولها، وكل هذه الأماكن هي من المواطن البرية للوعول إلى عهد قريب، حتى قضى عليها الصيد الجائر».

وأضاف «هذه الأماكن تعد نائية عن الناس، وفيها مقومات حياة هذا الحيوان من ماء ومرعى وجروف صخرية شاهقة، والجروف الصخرية هي الموطن المثالي لحياة الوعل، حيث تؤمن له الحماية الجيدة من المفترسات».

وتابع «سمعت بمزرعة سعيد بن عالي للغزلان، وعلمت أنها ناجحة، وأنها تحوي قطيعاً من الوعول والغزلان، وكان السبب وراء نجاح هذه المحمية فيما أعتقد، هو أنه هيأ لها الموقع المناسب، مع حماية ورعاية ومتابعة مستمرة، فكان ينبغي الاستفادة من خبرة هذا الرجل، وهو ما يجب عند محاولة الإطلاق مستقبلا».

مواطن الوعول

ذكر عالم الآثار إبراهيم يحيى الزهراني أن "الرسوم الصخرية المنتشرة في أرجاء الباحة معظمها للوعول، وبداية فترة الصيد لدى إنسان ما قبل التاريخ ومنذ العصر الحجري المتقدم، فنجد رسوم الوعول والظباء والغزلان على صخور الباحة، كأنها متاحف جسدها الإنسان البدائي، وهي مؤشر على الاستيطان القديم جدا للإنسان، وانتشار واسع للوعول والغزلان والظباء، فهي بيئتها الخصبة المناسبة، وهذا دليل على أن منطقة الباحة من أهم مواطنها. حيث تنتشر تلك الرسوم الصخرية في جبال شدا وجبل نيس وجبل ربا، وفي غامد الزناد والعقيق ووادي منحل وعيسان وفي بني كبيرو، ويوجد الظبي الملون في شدا وهو من الظباء المنقرضة، كما أن قتل المفترسات أدى لانقراض النمر العربي والفهد وقتل الضباع والذئاب كل هذه العوامل أدت إلى انتشار القرود بسبب قتل تلك المفترسات، فأدى ذلك لخلل في التوازن البيئي بسبب عبث الإنسان، أما المفترسات فيمكن إطلاقها في جبال بعيدة جدا مثل جبل نخرة شمال وادي عليب وغير ذلك.

انتقادات لإطلاق وعول الباحة

المكان الذي أطلقت فيه غير مناسب

السياج المحيط بالمكان قصير وفيه ثقوب

المكان يقع وسط مناطق آهلة وطرق عامة

الضجيج أدى إلى نفور الوعول وهروبها

مطاردة الوعول وخوفها أدى إلى إرهاقها ونفوقها.

شروط مهمة لإطلاق الوعول

تهيئة المكان قبل الإطلاق

إقفال ثغرات الأسيجة

ألا يقل ارتفاع السياج عن 3 إلى 4 أمتار

مساحة محصورة لا تزيد ابتداء عن 50 × 50 مترا

أن يوجد في المساحة رجم صخرية تتسلق عليها العول

أن تتوفر في المكان أماكن مغلقة تأوي إليها الوعول للاختباء من الحر أو البرد

وجود مشرف يرعى الوعول ريثما تعتاد وجود الناس والأضواء والصخب

50 ألف ريال قيمة الوعل عند تربيته

60 ألف ريال عقوبة صيد الوعل البري

10 سنوات سجن لصيد الوعل البري في حال تكرار مخالفة صيده خلال سنة واحدة

30 مليون ريال عقوبة تكرار صيد الوعل البري خلال سنة واحدة