التسارع المخيف الذي حدث في أفغانستان من بعد انسحاب الأمريكان، الذين توهمنا تصريحاتهم بأن التغيير كان غير متوقع بهذي الطريقة، هو أمر طبيعي لمن يعرف الداخل الأفغاني، فـ«البشتون»، وهم أصحاب الحكومتين في ظل الأمريكان وفي يد «طالبان»، لن يتقاتلوا فيما بينهم، ويضعفوا أنفسهم، ويكونوا لقمة سهلة بيد القبائل والأقليات الأخرى في أفغانستان.

لهذا فتسليم الدولة لأي طرف منهم هو أهم بكثير من الاقتتال. ومن هنا يكون الجواب واضحا، لتركهم المقاومة، واختفاء الجيش الأفغاني عن الحدث.

وبما أن الأمريكان كانوا يقودون المباحثات مع «طالبان» في الدوحة قبل الانسحاب بفترة طويلة، فهم الأكثر معرفة بما سوف يدور، وهم من صاغوا سيناريو هذا الخروج، وبهذي الطريقة، والأهم من هذا ما بعد حكم «طالبان»، وما هو المطلوب منهم.

ما يهم الأمريكان في هذا الوقت أن يقطع طريق الحرير عن الصين، وجرح الصين اقتصاديا، ولن يكون ذلك إلا عن طريق بوابة الأفغان، وهي البوابة التي من شأنها أن تشغل الغرب الصيني والشرق الإيراني، وجميع الدول الشمالية التي ترتبط بالروس، ومن هنا ندرك أن الأمريكان يريدون اللعب بالطريقة نفسها التي تم الزج بها في الشرق الأوسط، الذي تم إشغاله لأكثر من عشرين عاما، كانت كفيلة بأن تجعل الاقتصاد الأمريكي يعيش في اختناق مستمر مقابل انتعاش الاقتصاد الصيني، وهو التهديد الأكبر لأمريكا.

ومن المتوقع أن تكون أفغانستان النزيف الاقتصادي لكل من إيران والصين وقطر، وهو سبب رئيس للتمدد العسكري الروسي في بعض دول الشمال الأفغانين، والذي سوف يكلفها الكثير، خصوصا أن هذا التمدد لن يناسب الحكومة الصينية، وهذا ما يجعل بينهما خلافات في أماكن أخرى.

السيناريو الذي حدث بالتأكيد سوف يكون حجة بعدم الاعتراف الغربي، وإصدار العقوبات، وعزل أفغانستان دوليا، وهذا ما تطمح إليه الحكومة الأمريكية.

وهنا يجب على دول الجوار والصديقة لـ«طالبان» تقديم الدعم المالي لدولة تعيش تحت خط الفقر دون أي مقابل، وإلا الصداقة ستنقلب إلى عداوة هي كفيلة بأن تلغي دولا عن الخارطة (فإما نزيف المال أو نزيف الدم).