من أهم المعايير -التي يقاس بها دور أجهزتنا الحكومية- مبدأ الشفافية الذي يأتي متوافقًا مع التطور الكبير في كثير من مستهدفات تلك الجهات من حيث الإنجاز والمبادرة والأتمتة وخلافها. جميعها مؤشرات ترفع من أداء تلك الأجهزة وتشعر المواطن المستفيد بالرضا أو على الأقل الوضوح في التواصل. والمتابع يلحظ التطور الهائل والنوعي في مستوى الانفتاح على الجمهور، وهو ما يدعم التوجه الحكومي في التوجه نحو المصداقية والشفافية مع المواطنين، بل يمكننا أن نسمي ذلك بالمنهج الحكومي في التعاطي مع كل الأحداث والقضايا ابتداء من رأس الهرم المتمثل في القيادة في التزامهم بالوضوح والمكاشفة أمام الشعب، لذا فإن الأجهزة الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية جميعها انتهجت ذات المبدأ.

ولكن ولكي نحقق مستهدف الشفافية بشكل متقن، لا بد وأن نوضح بعض النقاط التي تسهم في نضوج ذلك المبدأ وتعزيزه. ومما لا شك فيه أن تواجد متحدث رسمي لكل جهة هو عنوان رئيس لرغبة الجهات في الانفتاح والصراحة مع الجمهور. إلا أن هناك بعض الممارسات أضعفت فكرة وممارسات المتحدث الرسمي. حيث إن البعض منهم يقوم بسلوكيات لا تدخل ضمن دائرة مهامه الرئيسة؛ فثمة ضبابية وتداخل في أدوار المتحدث.

جوهر عمل المتحدث هو المعلومة، وتتجلى في تفعيل جانب الشفافية وربط الجهة بالجمهور ووسائل الإعلام والإجابة على كافة الاستفهامات التي تدور في أذهانهم والحرص على مد جسور وثيقة، لكن هناك فئة من المتحدثين تحولوا إلى قارئي نصوص لا أكثر، فهو يظهر في المؤتمر ليقرأ لوسائل الإعلام البيان المنشور لهم أصلا! وكأن دوره يتمثل في ترجمة البيان من مكتوب إلى مسموع.

من النقاط الجوهرية التي أضعفت أداء بعض المتحدثين هو التهرب من وسائل الإعلام وتحديدًا في الأزمات فليس هناك أسوأ من أن يقول إعلامي «تواصلت مع المتحدث لسؤاله عن موضوع ولم يرد علي» إذا سمعت هذه العبارة فلك أن تجزم أن المتحدث فشل بامتياز في مهمته. كما أن بعض المتحدثين يمنح ذاته صلاحيات تفوق صلاحيته فتجده يتحدث ويجيب على أمور لا تكون من اختصاصه، وبعد فترة وجيزة تظهر قرارات خلاف حديثه مما يوقع الجهة في تباين أمام الرأي العام.

ومن الخصوصيات التي انفرد بها بعض متحدثينا دون أن نجدها في مكان آخر هو تحولهم إلى نجوم شباك. بل البعض منهم يرى في ذلك المنصب أنه بوابة للشهرة فالتصاميم التوضيحية المتعلقة بالجهة أو المواد المرئية تكون مرفقة بصورته وكأنه ينسف جهد العاملين في المنشأة، والأسوأ أن يستخدم حساباته الشخصية في شبكات التواصل لمزاحمة جهته في بث المعلومة، وكأنه يقول الجهة تعني أنا.

إن كلمة الشفافية ليست كلمة إنشائية وشعارًا شفويًا بل هي نهج وتوجه، وإن أرادت الجهات عبر متحدثيها تحقيق ذلك عليهم الالتزام بكافة المعايير والعمل الدؤوب لذلك. وحتى يؤدي المتحدث مهامه على أكمل وجه عليه أن يدعم من جهته ومن المسؤول الأول من حيث الصلاحيات والحصول على المعلومات. فمن الظلم للمتحدثين أن يواجهوا فضول الإعلام وغضب الناس دون معلومات وصلاحيات.

يُقال: من يخشى الإعلام لديه شيء يخفيه!.