لخص خطاب خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز - أيده الله - الذي ألقاه، عبر اتصال مرئي، أمام أعمال الدورة الـ76 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، الأربعاء 22 سبتمبر 2021، جوهر «رؤية السعودية 2030» بالمبدأ الإصلاحي الأول، وهو العودة إلى الذات والعمل عليها أولًا، إذ قال - أيده الله -: «إن جوهر رؤية 2030 التي تبنتها المملكة هو تحقيق الازدهار وصناعة مستقبل أفضل، ليكون اقتصادنا رائدا، ومجتمعنا متفاعلا مع جميع العالم». وكما هو معلوم، فإن الاقتصاد الرائد، والمجتمع المتفاعل مع جميع العالم لا يتحققان إلا بجهد كبير يسبق كل الظروف الزمانية والمكانية، وهو ما عززه في حديثه - أيده الله - بقوله: «إننا قطعنا أشواطا كبيرة، خلال السنوات الخمس منذ إطلاق هذه الرؤية الطموحة، في دعم الصناعات المحلية، وتطوير البنية التحتية، وتقنيات الاتصالات، وحلول الطاقة، والاستثمار في قطاعات عدة، بالإضافة إلى تمكين المرأة والشباب، وتحسين جودة الحياة للجميع»، فتمكين المرأة والشباب، وتحسين جودة الحياة لا يأتيان أبدًا من خلال رغبات وأمنيات فقط، بل من خلال قرار سياسي شجاع وحكيم بعيد النظرة، يقصد هدفًا أسمى هو إعلاء شأن الإنسان السعودي، مع دعم هذه القرارات بخطة عمل وتنفيذ جادة وصارمة وحازمة، تنطلق من دراسات مبدعة ومحلقة، وغير اعتيادية على مستوى العمل الحكومي، وهذا ما أثبتته كل دقيقة في السنوات الخمس الماضية، منذ انطلاق الرؤية في 25 أبريل 2016.

ومن منطلق أن يكون اقتصاد المملكة العربية السعودية رائدًا، ومجتمعها مجتمعًا متفاعلًا مع جميع العالم، يقول خادم الحرمين الشريفين - أيده الله -: «إن السياسة الخارجية للمملكة تولي أهمية قصوى لتوطيد الأمن والاستقرار، ودعم الحوار والحلول السلمية، وتوفير الظروف الداعمة للتنمية، والمحققة لتطلعات الشعوب نحو غد أفضل في منطقة الشرق الأوسط، وفي العالم أجمع، ويتجلى ذلك في جهود المملكة لرعاية اتفاق بين أعضاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وإسهامنا الفاعل في مجموعة أصدقاء السودان، ودعمنا العراق في جهوده الرامية لاستعادة عافيته ومكانته. كما تدعم المملكة بقوة الجهود الرامية لحلٍ سلميٍّ ملزمٍ لمشكلة سد النهضة، بما يحفظ حقوق مصر والسودان المائية، والحلول السلمية برعاية الأمم المتحدة لأزمات ليبيا وسورية، وجميع الجهود الرامية لتحقيق السلام والاستقرار في أفغانستان، وتطلعات الشعب الأفغاني، وضمان حقوقه بجميع أطيافه». هذه الفقرة من الخطاب الكريم توضح بجلاء سعي المملكة إلى خلق وسطٍ إقليميٍّ محفزٍ للعيش الآمن، الذي يضمن الاستقرار والنماء والازدهار للعالم أجمع، وليس منطقة الشرق الأوسط فقط، وهذا ديدن السعودية منذ بداية تأسيسها، حيث يقول - أيده الله - مبينًا الدور الإنساني الريادي للمملكة: «المملكة العربية السعودية من الأعضاء المؤسسين لمنظمة الأمم المتحدة، وهي ملتزمة منذ توقيعها على ميثاق سان فرانسيسكو بمقاصدها ومبادئها، التي تهدف لحفظ الأمن والسلم الدوليين، وحل النزاعات سلميا، واحترام السيادة والاستقلال، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول»، ثم يؤكد - أيده الله - نهج المملكة العربية السعودية تجاه المشكلات التي يواجهها عالم اليوم بقوله: «إن ما يواجه المجتمع الدولي اليوم من تحديات يتطلب تعزيز التعاون الدولي متعدد الأطراف. فقد أثبتت جائحة كورونا أن الطريق للتعافي المستدام يعتمد على تعاوننا جميعًا في إطار جماعي»، ودلل على ذلك - أيده الله - بقيام المملكة بدور حيوي في قيادة الاستجابة العالمية لهذه الجائحة من خلال رئاستها مجموعة العشرين العام الماضي، ودعم المملكة الجهود العالمية لمواجهة هذه الجائحة بـ500 مليون دولار أمريكي، بالإضافة إلى تقديمها 300 مليون دولار لمساعدة جهود الدول في التصدي للجائحة.

والمملكة العربية السعودية ملتزمة بدور إنساني قلما يقوم به غيرها مثلما تقوم به، خصوصًا في البعد التنموي منه، والذي يظهر جليًا بدورها في مساعدة الدول الأكثر احتياجا، وتلك المتضررة من الكوارث الطبيعية والأزمات الإنسانية، فالسعودية أكبر دولة مانحة للمساعدات الإنسانية والتنموية على المستويين العربي والإسلامي، ومن أكبر ثلاث دول مانحة على المستوى العالمي. هذا الالتزام الإنساني والتنموي لم يتوقف على هذه الأمور العظيمة والكبيرة فحسب، بل اتجهت السعودية إلى قيادة دول العالم في سبيل تعافي الاقتصاد العالمي، الأمر الذي تجلى في الجهود الريادية التي بذلتها، بالتعاون مع شركائها في تحالف «أوبك بلس»، وفي إطار مجموعة العشرين، لمواجهة الآثار الحادة التي نجمت عن جائحة كورونا من أجل تعزيز استقرار أسواق البترول العالمية، بالإضافة إلى التزام السعودية بمواجهة التحدي المشترك الذي يمثله التغير المناخي وآثاره السلبية، عندما قدمت المملكة مبادرات نوعية تهم المنطقة والعالم، والتي من شأنها تقديم إسهام فاعل ومؤثر في تحقيق الأهداف الدولية في هذا المجال.

وعلى كلٍ، فقد اشتمل خطاب خادم الحرمين الشريفين - أيده الله - على مضامين غاية في الأهمية، تؤكد حرصه الشديد على السلم والأمن الإقليمي والدولي، وجاء ذلك في:

أولا: تشديده على أن السلام هو الخيار الإستراتيجي الأفضل لمنطقة الشرق الأوسط، وأن أساس ذلك هو الحل العادل والدائم للقضية الفلسطينية عبر مبادرة السلام العربية، وضمان حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة على حدود 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.

ثانيا: بإشارته إلى مبادرة السلام في اليمن، التي قدمتها المملكة في مارس 2021، على الرغم من رفض ميليشيات الحوثي الإرهابية كل الحلول السلمية، مع التزام السعودية دومًا بمبادئ وقرارات الشرعية الدولية، واحترام السيادة الوطنية لجميع الدول، وعدم التدخل في شؤون الدول الداخلية.

ثالثًا: التأكيد على جوار إيران، والإفصاح عن وجود محادثات أولية معها، مما يعطي دلالة واضحة وعظيمة على أن السعودية دولة سلام، لا دولة انتقام.

رابعا: تأكيد المملكة أهمية جعل منطقة الشرق الأوسط خالية من جميع أسلحة الدمار الشامل.

خامسا: استمرار المملكة في التصدي للفكر المتطرف القائم على الكراهية والإقصاء، والاستمرار في التصدي لممارسات الجماعات الإرهابية والميليشيات الطائفية التي تدمر الإنسان والأوطان.

أخيرا.. هذه سياستنا، وهذا جوهر «رؤية السعودية 2030».