تندفع أسعار النفط بقوة لتتجاوز 82 دولارا للبرميل في أعلى ارتفاع منذ 3 سنوات وثاني أعلى ارتفاع منذ 2014 تصاحبها ارتفاعات تاريخية في أسعار الغاز الطبيعي لتعود لمستويات العقد الأول من هذا القرن عندما ترددت بين 5-10 دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية متزامنة مع ارتفاع أسعار النفط.

بشكل عام، عند ارتفاع أسعار النفط سترتفع بلا شك أسعار المنتجات البتروكيميائية والمواد المعتمدة على النافثا مع ازدياد كلفة الشحن والنقل بالتساوي، وستكون الأسعار ذات هامش أكبر عندما تكون أسعار الغاز منخفضة لأنه يعتبر المادة الخام في إنتاج المواد الكيميائية.

لكن عندما تكون الحالة كما هي عليه اليوم، أي أن أسعار النفط ترتفع بالتوازي مع أسعار الغاز، فإنه يكون خاضعا بشكل مباشر لعامل الطلب والحاجة دون تغيير كبير في هوامش الربحية. وبزيادة الطلب تكون عوامل توفر المواد اللقيم من الغاز الطبيعي، وسهولة الوصول إليه ونقله، هي أكثر عامل مؤثر في قدرة الشركات البتروكيميائية على الربحية وتعظيم الحصة السوقية.

إلا أن هذا المفهوم لا ينطبق على الإطلاق في كل المنتجات الكيميائية أو تلك التي تستخدم الغاز اللقيم والنفط كمواد أولية فلكل منتج بتروكيميائي سوقه الخاص نظراً لاختلاف تطبيقاته واحتياج الأسواق له.

فالشركات التي تنتج الأسمدة والمغذيات الزراعية مثل الأمونيا واليوريا وأيضاً تلك التي تنتج الميثانول سوف تتأثر بزيادة كلفة المواد الخام مع صعود طفيف في الطلب لأن أسعار تلك المواد غالباً ما تكون ثقيلة التغير.

لقد قامت شركة باسف الألمانية الأسبوع الماضي وهي أكبر الشركات الكيميائية في العالم بإيقاف إنتاج الأمونيا في مصنعيها في بلجيكا وألمانيا نتيجة ارتفاع أسعار الغاز عالمياً وذلك بسبب انخفاض الفائدة وزيادة الكلفة. في حين أن بقية المواد البتروكيميائية السلعية مثل البولي إيثيلين والبولي بروبلين والبولي ستايرين ستشهد زيادة في الأسعار على مدى قصير مع احتمالية أن يتأثر الطلب ويتراجع مع زيادة أسعار النفط والغاز.

تشير توقعات قولدمان-ساكس إلى أن النفط من المرجح أن يصل إلى 90 دولارا للبرميل خلال الربع الجاري من 2021 يسانده في التوقعات بنك أمريكا للأبحاث الدولية، حيث يرجّح بلوغ 100 دولار للبرميل قبيل منتصف 2022 المقبل كما تشير التوقعات بالنسبة للغاز أن يمضي الارتفاع قدماً إلى 10 دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية.

سوف تساعد هذه الزيادات دول «أوبك بلس» والدول المنتجة للغاز على الاستفادة من عائدات ممتازة لميزانياتها وتنفيذ خططها التنموية إلا أن استمرار الأسعار بهذه المستويات إلى ما بعد منتصف 2022 لن يكون مفيداً لها على الأقل في ظل وجود إمكانية عودة استخراج النفط الصخري الأمريكي على الرغم مع عدم استدامته لنهاية العقد إلا أنه سيعطي جولة أكثر تحرراً لأسواق الطاقة غير التقليدية مقابل النفطية. أيضاً ستتأثر الاستثمارات حتماً في مجال الغاز والنفط في ظل ارتفاع الأسعار وبالتالي ستتحول رؤوس الأموال إلى قطاعات أخرى بديلة.

حالياً، يمر العالم بمرحلة انتقالية في مجال الطاقة نحو تعظيم بدائل الطاقة ما حول الاستثمارات نحو مشروعات الطاقة المتجددة والنظيفة وجعل العالم يغفل بشكل ما عن النمو السكاني المتزايد والطلب النامي وعدم موثوقية الطاقة البديلة على الإطلاق. ما يجعل أسواق الطاقة قابلة للعطب في أي أزمة بسيطة تواجهها.

تحدث هذه الأزمة في ذات الوقت الذي يزداد فيه احتياج العالم من الطاقة والذي من المرجع أن يصل إلى مستوى الضعف في 2050 عما هو عليه اليوم في حين تستعد الدول لمناقشة خططها بعد ثلاثة أسابيع في مؤتمر جلاسكو لخفض استخدامات الطاقة التقليدية وهي النفط والغاز والفحم الحجري وتعظيم استخدام الطاقة النظيفة والمتجددة والاستثمار فيها.

لذلك يجب على قادة العالم الذين يلتقون في جلاسكو بعد أسابيع أن يضطلعوا بمسؤوليتهم لوضع خطط انتقالية سليمة وغير منحازة نحو التغير التدريجي غير العنيف نحو الطاقة المتجددة مع أهمية أن تبقى مصادر النفط والغاز أساسية دائماً لضمان عدم انهيار الاقتصادات التقليدية مقابلة اقتصادات الرقمنة والطاقة المتجددة وإلا سيواجه العالم كارثة حقيقية ستعيده إلى العصر الحجري.