يحتفل العالم الخميس 14 أكتوبر بـ«يوم البصر العالمي 2021» تحت شعار «أحب عينيك - Love Your Eyes»، وهو اليوم الذي تعلنه الوكالة الدولية لمكافحة العمى في الخميس الثاني من أكتوبر كل عام للتوعية، ولفت الانتباه لقضية العمى الممكن تفاديه.

ودعت الوكالة هذا العام أفراد المجتمعات إلى القيام بدورهم في حماية وسلامة بصرهم، ووقايته من العمى الممكن تفاديه، بدءا بفحص أعينهم، ووضعت هدفًا لجعل ملايين الأشخاص يقومون بذلك بإتاحة نموذج لعامة الجمهور على موقعها الإلكتروني، يعبأ طواعية، بهدف الالتزام بفحص أعينهم، وإحصاء الذين تعهدوا بذلك، لقياس مدى تحقيق الهدف، بالإضافة إلى توفير حزم مدرسية إرشادية للمعلمين والطلاب، للتحدث عن أهمية صحة العين.

وبالتزامن، يحتفل عدد من دول العالم الجمعة 15 أكتوبر بـ«يوم العصا البيضاء»، للتوعية بحقوق ذوي الإعاقة البصرية في جميع مناحي الحياة (التعليم - الصحة - التنقل - التعاملات المالية - الحياة الاجتماعية)، وهو يوم بدأته الولايات المتحدة الأمريكية في 1964م، تلبية لنداء الاتحاد الوطني الأمريكي للمكفوفين، بمؤتمره المنعقد في 6 يوليو 1963م، بجعل 15 أكتوبر من كل عام يوما لـ«سلامة العصا البيضاء» في عموم الولايات الأمريكية، ووافق عليه الكونجرس الأمريكي في 6 أكتوبر 1964م، وأصدر الرئيس الأمريكي ليندون جونسون قرارًا في 15 أكتوبر 1964م بالاحتفاء بإنجازات ذوي الإعاقة البصرية، واعتبار «العصا البيضاء» رمزا لاستقلاليتهم في المجتمع. وأخيرا، غيرت الجمعية الوطنية الأمريكية للمكفوفين (FBN) اسمه إلى «يوم التوعية بالعصا البيضاء» (White Cane Awareness Day).

القرآن الكريم ألمح إلى أهمية مكافحة العمى الممكن تفاديه بذكر قصة سيدنا يوسف - عليه السلام - حينما كان أول قضية اهتم بها هي علاج والده سيدنا يعقوب - عليه السلام - من العمى الذي طرأ عليه. وذكر كيف كان سيدنا عيسى - عليه السلام - يبرئ الأكمه (الأعمى الذي يولد مطموس العينين) بإذن الله، وأكد حقوق ورعاية العميان في عدة سور، منها سور «عبس - النساء - الحج».

وعلى مر العصور تواصل الاهتمام بالعمى والعميان، حيث نظمت مصر في «1329هـ -1911م» المؤتمر الدولي الرابع لتحسين أوضاع العميان تحت رعاية الخديو عباس حلمي الثاني، الذي أمر بطباعة كتاب «نَكْتُ الهِمْيان في نُكَتِ العُمْيان» لـ«صلاح الدين بن آيبك الصفدي» (764هـ)، وضمنه مقدمة باللغة الفرنسية، للتعريف بمحتوى الكتاب، وترجمة زين الدين الآمدي، المخترع الأول للكتابة الخاصة بالعميان، وتوزيعه في المؤتمر، لإبراز دور الإسلام والمسلمين الأوائل في التعامل مع العمى ورعاية المكفوفين.

وبنهاية القرن العشرين، تفاقمت حالات العمى في العالم بتزايد عدد السكان، وتغير أنماط الحياة، وأصبحت تشكل تحديا كبيرا للبشرية والتنمية المستدامة، فبادرت مجموعة من وزارات الصحة والجمعيات والمنظمات الحكومية وغير الحكومية بالدول الأعضاء في منظمة الصحة العالمية بتأسيس وكالة دولية لمكافحة العمى، وإطلاق مبادرة في 1999م، تهدف للحد من العمى الممكن تفاديه بحلول 2020، وانتقلت إلى مرحلة جديدة تنتهي في 2030م.

ومجتمعنا ليس بمعزل عن تلك التحديات، خصوصا ما يتعلق بالتوظيف والوصول إلى الخدمات، حيث تقول المواطنة السعودية الكفيفة خلود الزهراني، الحاصلة على ماجستير قيادة تعليمية (إدارة تربوية) من جامعة ميسيسيبي كوليدج بمدينة لويزيانا الأمريكية: منذ عودتي من أمريكا بسنوات عجزت في الحصول على وظيفة في مجال تخصصي، حيث كنت أرغب في الالتحاق بالعمل في وزارة التعليم كموجهة، للإسهام في تطوير مناهج تعليم ذوي الإعاقة وأساليب تدريسهم. كما أنني أواجه صعوبة في الحصول على أي خدمات لتنمية وتطوير مهاراتي، لمحدودية الخدمات، وبُعد مركزها، في ظل عدم توافر مواصلات ميسرة، على عكس ما كنت عليه في أمريكا، حيث التحقت، فور وصولي إليها، بمركز إعادة تأهيل لتدريب التكنولوجيا والحركة والتنقل الآمن باستخدام «العصا البيضاء»، فتمكنت من الاعتماد الذاتي والاستقلالية في حياتي اليومية والدراسية، خصوصا في ظل توافر سيارات ميسرة للمعاقين والمسنين، ووجود موظفين مخصصين في المراكز التجارية، لمرافقة ذوي الإعاقة في أثناء تسوقهم وشراء احتياجاتهم.

من جهتها، قالت الكفيفة ابتهاج سقطي، الحاصلة على البكالوريوس في تاريخ الحضارة الإسلامية من جامعة أم القرى بمكة المكرمة: تخرجت منذ 13 عاما، وما زلت على قائمة انتظار جدارة، للحصول على وظيفة. ولسد الفراغ، اتجهت إلى العمل التطوعي، حيث أقدم خدمة للمجتمع، ابتغاء للأجر ودعاء الناس ليّ. وبالنسبة لخدمات الإعاقة البصرية المقدمة ليّ، فهي محدودة جدًا، وكل ما أحصل عليه بطاقة الإركاب، وأتمنى وجود خدمات لنا في مكة المكرمة، حيث لا توجد جمعية أو مركز مختص بالإعاقة البصرية، حيث كنت أضطر للذهاب لتلقي التدريب على الحاسب الآلي في جمعية «إبصار» بجدة، والآن بعد انتقالها إلى موقع آخر أصبح الوصول إليها صعبا، لعدم وجود معلم بارز على مقربة منها، على عكس ما كانت عليه سابقا على شارع فلسطين على مقربة من مستشفى سليمان فقيه، فيسهل الوصول إليها من مكة مع أي سائق، وأتمنى من القائمين على تطبيق «توكلنا» إضافة حالة الإعاقة إلى التطبيق، وبالتالي يتعرف مقدمو الخدمات على المعاق، ويساعدونه تلقائيا دون اضطراره لإثبات إعاقته، للحصول على أي مساعدة.

وبدوري، أغتنم فرصة مناسبتي «يوم البصر العالمي» و«العصا البيضاء» 2021م في الدعوة إلى تطوير إستراتيجيات تقليص البطالة بين ذوي الإعاقة البصرية، والحد من حالات العمى الممكن تفاديه، من خلال تقويم القوانين والتشريعات المعمول بها لرعاية وحقوق ذوي الإعاقة البصرية، وإنشاء مراكز نموذجية لخدمات الإعاقة البصرية، وإعادة تأهيل القائم منها في عموم المدن الرئيسية، وإنشاء مشاريع صناعية، لتوظيف الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية، وتحسين ظروف معيشتهم، وتنظيم حملات توعوية مكثفة للمجتمع بشأن حقوق ذوي الإعاقة البصرية، وأهمية رعايتهم.