في وقت ارتفعت فيه الأصوات شاكية من التحرش الذي يقع هنا وهناك وعلى الأخص في عدد من المناسبات والأعياد في عدد من مناطقنا حتى يكاد يتحول إلى ظاهرة، وسط تداول كثيرين عبر وسائل التواصل الإلكتروني مقاطع لهذا التحرش، بدت هذه الظاهرة بمختلف أشكالها عالمية الانتشار، حيث تؤكد إحصائية أجرتها مؤسسة «تومسون رويترز» عام 2018، أن نسبة انتشار التحرش اللفظي تصل إلى 29%، أما الجسدي فتصل إلى 18%.

وتتعرض سيدة من كل 3 في العالم للتحرش يوميًّا، فيما وصلت نسبة التحرش بالنساء عربيًًا إلى 37%، وتصدرت مصر أعلى نسب التحرش بالنساء والتي وصلت إلى نحو 90%، وعلى الأخص بين الفتيات من 17 حتى 28 عامًا، (التحرش بالرجال يصل إلى 27%)، تلتها المغرب في نسبة التحرش الجنسي للنساء بواقع 89% (التحرش بالرجال بنسبة 16%) وفي لبنان بنسبة 40% (التحرش بالرجال 22%)، وفي فلسطين بنسبة 31% (19% بالنسبة للرجال)، وفي الأردن بلغت النسبة 55% للنساء، و11% للرجال.

ومع تعرض كلا الجنسين للتحرش، وإن كانت نسبة تعرض النساء له ما تزال مرتفعة جدًا مقارنة بتعرض الرجال إليه، تبرز كثير من التساؤلات عن مسبباته، ومن يتحمل مسؤوليته، وهل تلقى بالكامل على عاتق الشباب، أم تتحمل الفتيات كذلك جزء أو بعضا منها.

مفهوم التحرش

التحرش مفهومًا هو مُضايقة، أو فعل غير مرحب به من النوع النفسي أو الجنسي أو اللفظي أو الجسدي، ويتضمن مجموعة من الأفعال من الانتهاكات البسيطة إلى المضايقات الجادة التي من الممكن أن تتضمن التلفظ بتلميحات مسيئة من منطلقات عدة.

يتجلى التحرش أحيانًا كشكل من أشكال الإيذاء الجسدي أو الجنسي أو النفسي والاستئساد على الغير، وله تصنيفات وأشكال مختلفة، ويتدرج تحت التحرش الكلمات غير المرغوب فيها، كما أنه قد يأخذ أشكالًا مختلفة، من خلال التحديق، أو النظر بشكل غير لائق إلى جسم شخص ما، وأجزاء من جسمه وعينيه، وما إلى ذلك من حركات خادشة للحياء، وكذلك التصفير والهمس أو أي نوع من الأصوات ذات الإيحاءات.

ويكون التحرش يتتبع شخص ما، بشكل متكرر أو لمرة واحدة، أما التحرش عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي فيكون عبر القيام بإرسال التعليقات والرسائل أو الصور والفيديوهات غير المرغوب بها أو المسيئة أو غير اللائقة عبر الإيميل، أو عرض صور، سواء عبر الإنترنت أو بشكل فعلي، وصولًا إلى اللمس أو محاولة الاحتكاك بشخص ما، والتهديد والترهيب بما فيها التهديد بالاغتصاب.

وقد يكون التحرش فرديًا أو جماعيًا.

للنساء نصيب

بالرغم من الأرقام التي تشير إلى أن النساء هن الأكثر عرضة للتحرش، فإن كثيرين يلومونها، ويشيرون إلى أنها تمارس أحيانًا أدوار تغري المتحرشين بالتعدي عليها، سواء بوجودها في أماكن أو أوقات غير لائقة أو ارتدائها ملابس مثيرة تشجع الطامعين على التحرش بها، ويحملونها جزء من مسؤولية الظاهرة.

وليس ثمة اتفاق تام حول معايير الملابس المحتشمة، وما إن كانت محددة في لائحة الذوق العام، أم أن أمرها متروك للأعراف.

وتوضح المحامية، المحكم التجاري، باحثة دكتوراة أنظمة رباب أحمد المعبي أن «النظام القانوني في المملكة العربية السعودية يعتمد على الشريعة الإسلامية المستمدة من القرآن الكريم والسنة النبوية، وسنّت الأنظمة لحفظ الحقوق وتُرسيخ مبادئ العدالة وحماية الحقوق، ومن هذه الأنظمة نظام مكافحة التحرش ولائحة الذوق العام، وهو أحد الإصلاحات الاجتماعية التي أطلقها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ويتضمن 8 مواد ويهدف إلى ضبط التجاوزات وضمان عدم الإساءة العامة، والذي سيسهم بحفظ الخصوصيات، ومنع الأذى والحيلولة دون تجاوز الآداب العامة للمجتمع وحماية كرامة الإنسان ونشر ثقافة الاحترام، والنظام يساعد على منع جميع تلك الانتهاكات عبر عقوبات واضحة وصارمة».

كما أكدت المعبي أن «جريمة التحرش ظاهرة منتشرة في جميع أنحاء العالم، وهي في المملكة محدودة جدًا وتعد سلوكًا فرديًا شاذًا ولا يمثل إلا صاحبه، حيث المجتمع السعودي يرفض تلك الممارسات المخالفة للشرع والأنظمة».

وقالت إن «لائحة الذوق العام حددت المخالفات التي يعاقب مرتكبها بغرامات مالية وبينت أنواع المخالفات ومنها ارتداء اللباس غير اللائق في الأماكن العامة مثل الملابس الداخلية وثياب النوم أو تلك التي تحمل عبارات أو صور أو أشكال تخدش الحياء أو ذات رمزية عنصرية أو تسهم في إثارة النعرات، أو تروج للإباحية وتعاطي الممنوعات، كما أن معايير الملابس تُبنى وفق العادات والتقاليد والمعايير المجتمعية التي انبثقت من تعاليم الشريعة الإسلامية، وقد أعلنت الجهات الأمنية في مختلف أنحاء المملكة عن وقوع عدد من المخالفين تحت طائلة لائحة الذوق العام وضوابطها وتغريمهم العقوبات المقررة».

خروج الفتاة

فيما يتعلق مسألة تحديد وقت خروج الفتاة في أوقات معينة أو أماكن معينة أشارت المعبي إلى أن «النظام يحفظ حقوق أفراد المجتمع ويطبق على الجميع بلا استثناء ولم يحدد أوقات أو مواسم، وعلى الجنسين احترام الأنظمة المرعية وعدم التهاون والانجراف بتقليد السلوكيات الفردية الشاذة كما أن المملكة استمدت أنظمتها من الشريعة الإسلامية والتي تأخذ بمبدأ المساواة التكاملية بين الرجل والمرأة، لتحقيق العدل، ولا تتضمن أي تفرقة أو تقييد للحريات الأساسية في جميع الميادين. حيث نصت المادة الثامنة من النظام الأساسي للحكم، «يقوم الحكم في المملكة العربية السعودية على أساس العدل، والشورى، والمساواة، وفق الشريعة الإسلامية»، والوارد – ضمنًا – في المادة (26) من النظام التي نصت على «تحمي الدولة حقوق الإنسان، وفق الشريعة الإسلامية»، وغيرهما من المبادئ والأحكام التي تضمنها النظام الأساسي للحكم، كما أن المرأة أصبحت في عهد الإصلاحات تمارس حياتها بشكل طبيعي وبدون تقييد، حيث تعمل في أغلب القطاعات المختلفة وباختلاف الأوقات، وتتنقل بكل أمن وأمان ويتم تقديرها واحترامها في جميع الميادين، فالرجل والشاب السعودي يمتلك صفات الشهامة ومشاعر الحمية للمرأة».

تغيرات سريعة

توضح الأخصائية الاجتماعية منال الصومالي أن مجتمعنا يشهد تغيرات عدة من النواحي الثقافية والفكرية، وقالت «هذه التغييرات يؤطّرها القانون.. في السابق كان المجتمع يعتمد على الأعراف المجتمعية المتعارف عليها، أما حاليًا فالذي يحكم هو القانون، وهذا الكلام ينطبق على الطرفين خاصة في مسألة التحرش حيث لا ينبغي قصر الأمر على الفتيات فقد يقع الشباب في عواقب من الفتيات كالابتزاز وغيره».

وفيما يخص الأوقات التي ينبغي على الفتاة الخروج فيها من الناحية المجتمعية أكدت الصومالي أن الفتاة والشباب لديهم مطلق الحرية طالما أن تصرفاتهم لم تمس أي سلوك خارج.

كما أشارت إلى القاعدة الدينية التي تقول «اتقوا الشبهات» وقالت «ينبغي عدم وضع النفس في مكان يأتي بعواقب غير محمودة بطريقة غير لائقة، ولا تعني هذه المسألة الانعزال عن العالم، كما لا يعني عدم التواجد في الاحتفالات والمناسبات، إنما يعني طريقة وكيفية التواجد في هذه المحافل والمناسبات، واختيار الملابس اللائقة بها، وطريقة التصرفات».

دور الأسرة

حول كيفية غرس القيم والمفاهيم التي تجعل الأفراد يتقبلون أفراد المجتمع على مختلف أفكارهم، بيّن المستشار التربوي والأسري أحمد النجار أن الأسرة تعمل على عدة نقاط منها تفهيم وتربية الطرفين ـ الصبي والفتاة ـ أنه في حال تقاطع مساحتك مع مساحة غيرك فلا بد عليك أن تحترم وتلتزم بأمور يفرضها الشرع والقانون، وفي حال عدم التزام شخص غيرك بهذه المساحة فإن لديك حلّين، إما المغادرة أو اللجوء إلى الجهات المختصة التي تطبق القانون، ولا تقوم أنت بأخذ دورهم، فهم الجهة المخولة لتطبيق القانون».

وتابع «يجب تربية أبنائنا وبناتنا أن الأفضل هو الابتعاد والنّأي بالنفس عن الأماكن التي قد يساء لهم فيها».

مبررات وحوافز

يحدد متخصصون جملة من العوامل التي تخلق الفرص المواتية للتحرش، ويضعون في مقدمتها الفراغ الفكري والعاطفي وضعف الوازع، وجرأة الفتيات في حركاتهن وتصرفاتهن وأحيانًا تواجدهن وسط الزحام أو في أماكن معزولة.

ويرون أن من الأشياء التي تحول دون تفشي هذه الظاهرة الأخذ بالاعتبار كل ما يشجع ويحفز على التحرش أو يخلق له المناسبة.

من أسباب التحرش بالفتيات

1- ضعف الوازع الديني.

2- الفراغ الفكري والعاطفي.

3- التربية السيئة.

4ـ فكرة أن لا رجل لا يعيبه شيء.

5- غياب المتابعة الأسرية.

تصرفات من الفتيات تشجع على التحرش بهن

1- نوعية اللباس وطريقة المشي.

2ـ كثرة النظر إلى الآخرين وطول التحديث.

3ـ جرأة الحركة والكلام.

4ـ المبالغة في المكياج الظاهر.

5ـ وجود الفتاة لوحدها في الأسواق أو الأماكن القصية.

6ـ عدم تجنبها الزحام.

نظام مكافحة جريمة التحرش

ـ صدر عام 2018

ضم 8 مواد

* المادة الأولى

عرفت جريمة بالتحرش بأنها:

«كل قول أو فعل أو إشارة ذات مدلول جنسي، تصدر من شخص تجاه أي شخص آخر، تمس جسده أو عرضه، أو تخدش حياءه، بأي وسيلة كانت، بما في ذلك وسائل التقنية الحديثة».

* المادة الثانية

وضحت هدف النظام بمكافحة جريمة التحرش، والحيلولة دون وقوعها، وتطبيق العقوبة على مرتكبيها، وحماية المجني عليه.

* المادة الثالثة

بينت أن التنازل عن الشكوى لا يحول دون اتخاذ ما يحقق المصلحة العامة.

أعطت الحق لكل من اطلع على الجريمة بالإبلاغ عنها

* المادة الرابعة

ألزمت المعنيين بالمحافظة على سرية معلومات حالات التحرش.

منعت الإفصاح عن هوية المجني عليه، إلا في حالات يستلزمها الاستدلال أو التحقيق أو المحاكمة.

* المادة الخامسة

إلزام القطاعين العام والأهلي بوضع تدابير الوقاية من التحرش ومكافحته في إطار بيئة العمل.

عقوبات التحرش

* المادة السادسة

السجن مدة لا تزيد على سنتين

ـ غرامة مالية لا تزيد على 100 ألف ريال

ـ إحدى هاتين العقوبتين

في حال العود أو التكرار أو اقتران التحرش بظروف مشددة

ـ السجن 5 سنوات

ـ غرامة مالية لا تزيد على 300 ألف ريال

ـ إحدى هاتين العقوبتين

الاقتران بظروف تشدد العقوبة

أ- إن كان المجني عليه طفلًا.

ب- إن كان المجني عليه من ذوي الاحتياجات الخاصة.

ج- إن كان الجاني له سلطة مباشرة أو غير مباشرة على المجني عليه.

د- إن وقعت الجريمة في مكان عمل أو دراسة أو إيواء أو رعاية.

هـ- إن كان الجاني والمجني عليه من جنس واحد.

و- إن كان المجني عليه نائمًا، أو فاقدًا للوعي، أو في حكم ذلك.

ز- إن وقعت الجريمة في أي من حالات الأزمات أو الكوارث أو الحوادث.

asf

عقوبات التحريض والشروع والبلاغ الكيدي في التحرش

المادة السابعة:

1- يعاقب كل من حرض غيره، أو اتفق معه، أو ساعده بأي صورة كانت، على ارتكاب جريمة تحرش؛ بالعقوبة المقررة للجريمة.

2- يعاقب كل من شرع في جريمة تحرش بما لا يتجاوز نصف الحد الأعلى للعقوبة المقررة لها.

3- يعاقب كل من قدم بلاغًا كيديًّا عن جريمة تحرش، أو ادعى كيدًا بتعرضه لها، بالعقوبة المقررة للجريمة.