يتابع المتخصصون، منذ شهور، استعدادات وزارة التعليم لاختبارات قياس مدى تقدم القراءة في العالم (PIRLS) لطلاب الصف الخامس خلال العام الدراسي الحالي، وذلك في المشاركة الثالثة لطلابنا في هذه الاختبارات بعد دورتي 2011 و2016. وفي هذا الاختبار باختصار، تقيم الهيئة الدولية التحصيل التربوي (IEA) بمقارنة مستويات الطلبة من الشريحة العمرية المرشحة في مهارة الفهم القرائي، ثم ترتب نتائج الدول المشاركة من الأفضل للأقل، وتعلن النتائج كجهة مستقلة.

من جانب أكاديمي، ومع تقديري الجهود الجبارة كافة، التي يقوم بها المعلمون والمعلمات والجهات المختصة في الوزارة، إلا أن هناك عوامل ستؤثر بلا شك في نتائج طلابنا وطالباتنا في هذا الاختبار، فعلى سبيل المثال لا الحصر، هذه الشريحة من الطلاب ما زالوا يخضعون لنظام التعليم عن بُعد، وفي إحضارهم لمدارسهم، لإجراء الاختبارات فقط، كما هو مخطط له، إرباك للنظام التعليمي الذي تأقلموا معه منذ ما يربو على العامين الدراسيين، مما قد يؤثر على أدائهم. كما أن الانقطاع عن التعليم الحضوري بسبب «كورونا» لفترات طويلة له أثره كذلك على مهارات الطلاب، ومنها مهارات القراءة والفهم القرائي بسبب غياب تجربة التفاعل الإنساني مع الأقران.

هناك آثار تعليمية واضحة لانقطاع الطلبة عن الدراسة المباشرة، ففي تقرير الأمم المتحدة عن التعليم في أثناء جائحة «كورونا» إشارة واضحة إلى تأثر عدد كبير من الطلاب سلبيا، لعدم تلقيهم التدريس المباشر الذي يستثير قدراتهم النمائية، ويحفزهم للتجاوب مع معلميهم وزملائهم، والرد المباشر على تساؤلاتهم. وعلى الرغم من حرص الوزارة والمدارس على مقاربة التجربة الحضورية، وتنمية مهارة القراءة خلال الجائحة، فإن اتساع رقعة المملكة، وتفاوت البنى التحتية الرقمية، ومهارات المعلمين في التدريس، وتجاوب الأهالي ستكون لها دورها وأثرها على أداء الطلاب في الاختبار.

من ناحية أخرى، يبدو للمتأمل في تجاربنا التعليمية استعجالنا النتائج دائما، والحقيقة أن علينا ألا نستعجل ما دمنا لا نتراجع، فالتعديلات العميقة في المناهج وطرق التدريس والتقييم، التي أجرتها الوزارة أخيرا، والمهام المسندة للمعلمين والمعلمات فيما يخص الاختبارات، لن تحسِّن نتائجنا في PIRLS أو غيره من الاختبارات المعيارية في يوم وليلة، بل هي عملية تدريجية تنمو معها المهارات وتتجذر، لنراها في منهجية التعلم الذاتي عند الناشئة بإذن الله، ولذلك أتمنى أن يكون هدفنا الواقعي بعيدا عن سطحية المراكز، ومنصبا على التحسن المستمر والتحسين المتواصل، وتطوير الشراكة الفاعلة بين المدرسة وأولياء الأمور تجاه تحبيب القراءة الواعية لأبنائهم، ليكون الأداء في هذه الاختبارات في المستقبل منسجما مع الطموح، ومتسقا مع الجهود المبذولة من الوزارة والمعلمين والمعلمات، ورافدا حقيقيا من روافد تنمية القدرات البشرية للناشئة، بالتعاون في بناء الإنسان المحب للقراءة، والقادر على الفهم.