أحضر معارض الكتاب المقامة في الرياض منذ أن كانت تقام في المبنى القديم على طريق الملك فهد، وأستمتع كل عام بالمعرض، ولا تكفيني زيارة واحدة له بطبيعة الحال، حيث يدرك أي قارئ محب للمعرض أن الزيارة الأولى تكون استكشافية، والزيارة الثانية يتوجب أن تصبح زيارة طويلة وفاحصة لكل الدور المشاركة أو أغلبها. وفي بعض الأحوال، قد يجد القارئ ضرورة لزيارة ثالثة، للبحث عن كتب محددة، لم يجدها في زيارتيه السابقتين.

لم أحضر ولا لقاء أو ندوة أو أمسية أقيمت على هامش المعرض أبدا، لأنني أرى أن الأمر الذي يتوجب الاحتفاء به والعيش في أجوائه هو أروقة المعرض والكتب المعروضة فيه فقط. لا شيء آخر يستحق الاهتمام بعيدا عن المنشورات والإصدارات الورقية، ولا أجد أي مبرر لأن تأتي أي فعالية وتفسد عليّ متعة البحث عن الكتاب الجيد أو الحديث مع الناشرين في أروقة المعرض وزواياه.

بالتأكيد أنني زرت المعرض هذا العام، والحقيقة أن الشعور السابق الذي كنت أعيشه في بحثي عن الكتب لم يصاحبني هذا العام، وأظن أن التغييرات التي صاحبت المعرض، الذي جاء بعد توقف طويل، قد أثّرت فيه بشكل أو بآخر. تجولت في المعرض نحو خمس ساعات متواصلة، محاولا البحث عن ذلك الشعور القديم، وللأسف أنني لم أستطع استلهامه. لا أدري ما السبب، ولكني لم أستمتع أبدا بهذا المعرض، وبالتأكيد لا يوجد مبرر لإعادة الزيارة مرة أخرى له، لذا كانت زيارة واحدة ويتيمة.

راعتني طريقة التصميم التي عُمل بها المعرض، حيث وضع له مسار أساسي، تتفرع منه دوائر، وتنتشر الدور داخل هذه الدوائر، ومن أجل أن تخرج من دائرة لتدخل في دائرة أخرى يتوجب عليك أن تخرج على المسار الأساسي الممتلئ بالحشود، وبعض المتاجر البعيدة عن نشاط المعرض. والمشي في هذا المسار بكتبك التي تحملها معك فيه صعوبة ومشقة كبيرة، حيث إن اصطدامها بالآخرين الذين يخالفونك في المشي أمر طبيعي ووارد.

الأمر الآخر الذي ساءني أن دور النشر لم تكتب على لوحاتها الخارجية الدول القادمة منها، حيث بحثت عن دار نشر مصرية لأكثر من ساعتين، ولم أجدها. سابقا كانت جميع دور النشر التابعة لدولة ما يتم وضعها في ممر أو ممرين من ممرات المعرض، وبإمكانك بكل بساطة أن تجد أي دار نشر مشاركة في المعرض. هذا العام ألغيت أسماء الدول، ونوعا ما تداخلت الدول ودور النشر والجهات الحكومية لدينا (الجامعات مثلا) مع باقي الدور في الدوائر كافة، وهذا في ظني تطوير في غير محله.

لا أنكر أن هيئة الأدب والنشر والترجمة قدمت أمرا رائعا للناس في هذا المعرض، وأقدر تماما تحمسهم للعمل، واستمعت كذلك لحديث رئيسها في برنامج «سقراط»، ولكني أعتقد أن تجربة تنظيمهم المعرض تحتاج إلى وقت حتى تنضج بشكل أكبر.