من القواعد المقررة، والوقائع المتكررة، أن من كان قصده ومراده فاسداً فإنه يعاقب بنقيض قصده، وعلى هذه القاعدة شواهد من الكتاب والسنة ومن ذلك ما يلي:

1- أن قوماً كان لهم بستان وفيه ثمر، فأصابهم الطمع، فبيَّتوا النية السيئة، في الذهاب صباحاً إلى جنتهم (بستانهم) لأخذ الثمرة كاملةً، قبل أن يأتي المساكين الذين قد يشاركونهم بأكل شيء منها يسد حاجتهم وجوعتهم.

ولما كان هذا تبييتٌ لنيةٍ فاسدة، يريد منها أصحاب البستان منع إيتاء المساكين من رزق الله، مخالفين قول الله تعالى (وآتوهم من مال اللَّه الذي آتاكم) كان جزاؤهم أن عوقبوا بنقيض قصدهم، إذ جاؤوها صباحا فإذا هي كالصريم، سوداء كالليل المظلم، لم يبق لهم فيها شيء، وذلك بسبب نيتهم السيئة، وقد ذكر الله هذه القصة في سورة القلم فقال تعالى (إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين (17) ولا يستثنون (18) فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون (19) فأصبحت كالصريم (20) فتنادوا مصبحين (21) أن اغدوا على حَرثكم إن كنتم صارمين (22) فانطلقوا وهم يتخافتون (23) أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين (24) وغدوا على حرد قادرين (25) فلما رأوها قالوا إنا لضالون (26) بل نحن محرومون) قال ابن كثير: ذكر بعض السلف أن هؤلاء قد كانوا من أهل اليمن، من قرية يقال لها ضروان على ستة أميال من صنعاء، وكان أبوهم قد ترك لهم هذه الجنة (البستان)، وكان يسير فيها سيرة حسنة، فكان ما استغله منها يَرُدُ فيها ما يحتاج إليه، ويدَّخر لعياله قوت سنتهم، ويتصدق بالفاضل.

فلما مات وورثه أولاده، قالوا: لقد أخطأ أبونا إذ كان يصرف من هذه الجنة شيئاً للفقراء، ولو أنا منعناهم، لتوفر ذلك لنا، فلما عزموا على ذلك عُوقبوا بنقيض قصدهم، فقد أذهب الله ما بأيديهم بالكلية: أذهب رأس المال، والربح، فلم يبق لهم شيء.

2- صاحب الربا، يتعامل به ليكثر ماله بمعاملاته الربوية، فعُوقب بنقيض قصده ومراده، بأن مُحقت بركة ماله، وذهبت، قال تعالى (يمحق اللّه الربا) قال السعدي: أي: يذهبه ويذهب بركته ذاتا ووصفا، فيكون سببا لوقوع الآفات فيه ونزع البركة عنه، وإن أنفق منه لم يؤجر عليه بل يكون زادا له إلى النار.

3- أعداء إبراهيم عليه السلام أرادوا به كيدا وشراً، فعوقبوا بنقيض قصدهم، وعاد مكرهم عليهم وبالا، قال تعالى (وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين) قال البغوي: قيل: معناه أنهم خسروا السعي والنفقة، ولم يحصل لهم مرادهم.

وقيل: معناه إن الله عز وجل أرسل على نمرود وعلى قومه البعوض، فأكلت لحومهم وشربت دماءهم، ودخلت واحدة في دماغه فأهلكته).

4- بُنيت المساجد لذكر الله لا للتجارة ولا لإنشاد الضوال، فمن نشد فيها ضالته، أو باع أو اشترى فيها، فإنه يعامل بنقيض قصده، ويُدعى عليه بعدم الربح في تجارته، وعدم وجدان الضالة، قال النبي عليه الصلاة والسلام: «من سمع رجلًا ينشد ضالة في المسجد فليقل: لا ردها الله عليك»، وقال أيضا «إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا: لا أربح الله تجارتك».

5- من أراد أن يحرم زوجته أو إحدى زوجاته من الميراث، فطلقها في مرض موته المخوف، فإنه يُعاقَب بنقيض قصده ومراده، فترث منه، وكذا الموصَى له إذا قتل الموصِي، فإنه لا يُعطى شيئا من الوصية، عقوبة له على نقيض قصده.

ولأن من تعجّل شيئا قبل أوانه على وجه محرم عوقب بحرمانه.

فعلى كل مسلم أن يحذر النيات السيئة، ولينو الخير، فإنه يكسب أجراً، ولو لم يفعله، فكيف إذا نواه وفعله؟ قال صلى الله عليه وسلم في إحدى غزواته «إن بالمدينة لرجالا ما سرتم مسيراً، ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم حبسهم المرض وفي رواية: إلا شركوكم في الأجر»، فحصل لهم الأجر وهم في بيوتهم بسبب نيتهم الطيبة.