من يهتم بالحقائق ويرصدها رصداً دقيقا موضوعياً، يعلم أن كثيراً من دعاة الفكر الإخواني، والفكر الليبرالي، وإن اختلفا في بعض الوسائل، فإن غايتهما واحدة، مع أنهما قد يتفقان أيضاً في كثير من الوسائل كذلك.

فإن قيل: البينة على المدعي، فأين البينة على ما تقول؟

فالجواب: توجد بينات، وليست بينة واحدة، ومن ذلك ما يلي:

1- كثير من دعاة الأخونة واللبرلة يشتركون في الدعوة إلى الثورات والخروج على الحكام، وتغريداتهم في ذلك محفوظة ومعروفة، فهذا الاتفاق بينهما على ماذا يدل؟ !!!

2- كثير من دعاة الأخونة واللبرلة دعاة إلى ما يسمونه الملكية الدستورية، وتغريداتهم في ذلك محفوظة ومعلومة، فهذا الاتفاق بينهما على ماذا يدل؟ !!!

3- كثير من دعاة الأخونة واللبرلة ينصر بعضهم بعضا، ومقالاتهم في بعض الصحف، والكتب التي تؤكد ذلك، محفوظة ومعلومة، حتى أن أحد كبار الليبراليين قال عن أحد كبار الإخوانيين، هو أكثر ليبرالية مني، فعلى ماذا يدل هذا التناصر والاتفاق ؟!!!

4- رأينا طائفة من الليبراليين يُلمِّعون الإخوان، ويُصدِّرونهم في بعض القنوات التجارية، وبرامجهم فيها، التي تؤكد ذلك محفوظة ومعلومة، فهذا التصدير للإخوان المناوئين لولاة الأمر والمجتمع، والداعين للتجييش والإثارة، وتلميعهم من قبل بعض الليبراليين على ماذا يدل؟!!!

بينما يغضبون جدا من ظهور من يُرسِّخ عقيدة السمع والطاعة لولي الأمر في الإعلام، وإن كان ظهورا نادراً جداً، فعلى ماذا يدل ذلك ؟!!!

5- كثير من دعاة الأخونة واللبرلة يشتركون في نبز من يسلك منهج السلف الصالح، في لزوم البيعة والإمامة، والسمع والطاعة، بلفظٍ اخترعه الإخوان في حرب الخليج وهو لفظ «الجامية»، مع أنهم يعلمون أنه ليس هناك جامية إلا في خيالات مخترعي هذا اللقب وأتباعهم، فهذا الاتفاق بينهما على على ماذا يدل ؟ !!!

6- كثير من دعاة الأخونة واللبرلة يشتركون في اتهام من يدعو إلى السمع والطاعة لولي الأمر بالمعروف، بأنه يفعل ذلك تملقا وتكسبا، ربما لأنهم يظنون غيرهم مثلهم، وقديما قيل: إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه، ولو كانوا يعقلون لعلموا أن من سار على منهج السلف الصالح بحق لا يتملق ولا يكذب، وتوكيد المتبع لمنهج السلف الصالح على مسائل العقيدة، ومنها: مسألة الإمامة والسمع والطاعة لولي الأمر ليس كذبا ولا تملقا، بل هو دينٌ وإيمان، فالذي أمرنا بالصلاة هو الذي أمرنا بطاعة ولي الأمر بالمعروف، والأدلة من الكتاب والسنة الموجبة لطاعة ولي الأمر بالمعروف كثيرة جدا، ولو سردتها لطال المقال، فما الذي يغيظهم من طاعة من أمر اللهُ ورسولُه بطاعته، ثم هذا الاتفاق بينهما على ماذا يدل؟!!!

إنه لا يصح أن يُلْتَفَت إلى تهوين من يُهوِّن من أي مسألة من مسائل الاعتقاد، ومنها: مسألة الإمامة والبيعة والسمع والطاعة لولي الأمر، التي هي غصة في حلوق دعاة الثورات، فمهما نبزوا غيرهم بالوهابية، أو بالجامية، أو الرجعية، أو التخلف، أوغيرها من الألقاب التي اخترعها أهل الأهواء، فذلك زبَدٌ يذهب جفاء.

ومعلومٌ أن «الوهابية» لفظ اخترعه أعداء التوحيد في الدولة العثمانية، و«الجامية» لفظ اخترعه حزب الإخوان أثناء حرب الخليج، ووافقهم عليه إخوانهم الليبراليون، لينبزوا به كل من حذَّر من الثورات ودعاة الفتن والضلالة، ودعا إلى السكينة والسمع والطاعة لولي الأمر بالمعروف، ووقف مع الدولة السعودية في حرب الخليج، عندما حررت الكويت من عدوان صدام حسين، ولولا وقوف أهل العلم في وجه الخارجين على الدولة السعودية، من دعاة الفتن في حرب الخليج، ما ظهر هذا اللقب «الجامية» الذي أراد منه مخترعوه التنفير والتحذير من الوقوف مع دولتنا أيدها الله.

وقد قال سماحة شيخنا صالح الفوزان ـ حفظه الله ـ في رده على أحد الكتاب: وأما اللقب الذي لمزت به أتباع السلفية الصحيحة بأنهم جامية، نسبة إلى الشيخ الفاضل محمد أمان الجامي ـ رحمه الله ـ وهو لا ذنب له إلا أنه يدعو إلى السلفية الحقة الصحيحة كما عرفناه عنه وعاصرناه عليه، وما هو مدون في كتبه وأشرطته وهذا لقب نقلته عن غيرك ولم تعرف ما تحته ومن الذي اخترعه.

إن الذين اخترعوه هم الحزبيون، لما رأوا الشيخ محمد أمان الجامي وإخوانه يدعون إلى السمع والطاعة لولي أمر المسلمين، ويدعون إلى لزوم الجماعة وعدم التفرق والاختلاف، الذي تعينه الجماعات الحزبية، اخترعوا هذا اللقب لينفروا من تلك الدعوة وأصحابها، كما اخترعت الفرق السابقة لأهل السنة والجماعة ألقاباً منفرة مثل الحشوية والمجسمة والوهابية، إلى غير ذلك، ولكن هذا لا يضير أهل الحق كما قال إخوانهم من قبل «قَالُوا لا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ».أهـ

لقد رأينا وسمعنا بعض الإخوانيين في حرب الخليج وما بعدها يحذرون من منهج السلف بنبزهم بهذا اللفظ «الجامية» الذي اخترعه رؤساء حزب الإخوان، واليوم نرى بعض هؤلاء أنفسهم بعدما انتقلوا إلى قارب الليبرالية، يكررون ما كانوا يقولونه قديماً، عندما كانوا مع حزب الإخوان، لم يتغير لديهم من المضمون شيء، فالماكينة «إخوانية» والشكل الخارجي «ليبرالي» وفي كلٍ شر.

وأخيرا أقول لهؤلاء المناكفين الساخرين: نحن في هذه البلاد المباركة: المملكة العربية السعودية مسلمون على منهج السلف الصالح وهذا كاف، لا حاجة لنا إلى ليبرالية ولا إخوانية ولا غيرهما من الأحزاب والطوائف، والجماعات والتيارات التي هي كالميازيب تجمع الماء كدرا، وتفرقه هدرا، وسنستمر على عقيدة الإسلام، ومنها: ما أقض مضاجعكم، وهو السمع والطاعة لولاة الأمر بالمعروف، فمهما نبزتم وآذيتم، فإنه «لا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُون» «ولنصْبرنَّ عَلَىٰ مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُتَوَكِّلُون».