لا يقاس ما لدينا من حب الوطن، بقدر ما ندعيه من حب وولاء، أو بمقدار ما نقدمه للوطن في حالة الرخاء، بل يقاس حب الوطن بذلك الإخلاص الأبدي له في السراء والضراء، والقدرة على التمييز بين ما هو صالح وغير صالح للوطن، وكذلك الإيمان بأن الوطن هبة عظيمة، وأن التفريط فيه أو المساومة عليه هو خيانة لا غفران لها.

هناك فئة رعاها الوطن وأغدق وتفضل عليها، فأكلوا من خيراته وأقسموا على الأمانة وحفظ أسراره، وتعهدوا بالولاء لترابه ومقدراته، ولكن كان ولاؤهم محصورا بامتيازاتهم ومناصبهم، فلما فقدوها انقلبوا على الوطن وتناسوا كل أفضاله وهربوا بأمواله إلى خارج البلاد، واعتلوا منابر الخونة وسموها معارضة، وباعوا ذممهم وضمائرهم للمتربصين بالوطن، وتناسوا أنه قد سبقهم إلى ذلك كثير فطويهم النسيان، ولفظهم التاريخ وظل الوطن حرا شامخا.

إن الخيانة التي تجري في دماء هؤلاء، هي البوابة العريضة التي قد تصيب أي وطن، ولسد هذا الباب وإقفاله يجب أن يكون جميع الشعب على اطلاع بكل تلك الأعمال القذرة، التي كانت تستهدف الوطن والمجتمع، وأن تنكشف جميع الأسرار التي كانت تدار في الخفاء، وأن يعلم الجميع كمية الأموال المنهوبة والمهربة إلى خارج الحدود.

قد يقول البعض من الأجدى التفاوض والنقاش معهم، ولا شك أن الحوار يبعث في العقول النقية حيوية، ولكن النقاش والحوار على مصلحة وطن وقدر أمة وخيانة أمانة، قد يكون عقيما كما أن مجادلة الخائن هي خسارة متعددة الرؤوس.

إن سلامة الوطن ورقي المجتمع هما مسؤولية الجميع، وهذه المسؤولية تتطلب ألا نتغافل أو نغمض أعيننا عن الشرور التي تحيط بنا داخليا وخارجيا، بل يجب محاصرتها ومواجهتها بكل الوسائل والطرق. وعلينا أن نتعظ ونعتبر من أولئك الذين خانوا فخسروا نعمة الوطن، وفقدوا الأمن والأمان ولم ينفعهم الغريب، بل أصبح يقتات يوميا على خلافاتهم وخياناتهم وأحزابهم.

وعندما يتعرض الوطن لأي خطر، فإن الواجب على الجميع ألا يقفوا موقف الحياد أو موقف المتفرج، فهذا يعني الاشتراك في التفريط، بل إن الصمت في مثل هذه الظروف هو نوع من أنواع الخيانة للوطن.

الخيانة بحد ذاتها هي ميتة حقيرة وعار يلحق صاحبها، فكيف عندما تكون الخيانة لوطن. وخلال العقد الأخير يظهر بين الفينة والأخرى خونة، ولكن العامل المشترك بينهم أن لهم تاريخا طويلا من الأكاذيب، ومحاولات الالتفاف على الأنظمة والقوانين وإخفاء العديد من الشبهات والجرائم، بما في ذلك الجرائم المالية. وكان آخرها اختلاس أحدهم 11 مليار دولار والهروب إلى خارج البلاد، لتتلقفه جهات غربية وتستخدمه لأغراض المساومة والتشهير والتلفيق.

وأخيرا بين الفينة والأخرى يظهر هؤلاء الخونة لوطنهم، في مقابلات تلفزيونية أو عبر وسائل التواصل لتبرير أفعالهم وخيانتهم. والنهج التبريري هو أفضل وسط تتكاثر فيه فيروسات الخونة والعملاء، وهو نهج يعكس الضعف وانعدام الحيلة والشعور بالدونية واحتقار الذات، بينما أصحاب الحق لا يبررون، بل يعتزون ويفخرون بما يصنعون من إنجازات للوطن والمواطن.