وزارة الصناعة والثروة المعدنية أمام مسؤولية كبرى، ستحدد كثيرا مستقبل جزء غير يسير من مستقبل الاقتصاد السعودي.

وبصراحة لا نريد إعادة أخطاء، ولكن أكثر دقة «تأخير» الماضي!. أعتقد لو تركز الوزارة، وحتى الوزير ونائبه، في مجال واحد، ويولونه كل الأهمية، فإذا نجحوا، فإنهم سيدخلون التاريخ (أي تاريخ المسؤولين الناجحين في الذاكرة السعودية)، أما إذا لم يغيروا فيه التغيير المطلوب، فمهما عملوا ونجحوا في أمور أخرى، فلن تتغير محصلة إرثهم!.

هذا المجال هو التركيز على المعادن والثروة المعدنية، وليس كل تركيز يعني «تركيزا مثمرا»!.

تقدر الوزارة الثروة المعدنية في المملكة بنحو خمسة تريليونات ريال!، وسؤالي بسيط للوزير ونائبه: هل تستطيعون تحويل هذه الـ5 تريليونات إلى 25 تريليونا أو 50 تريليونا؟. هنا مربط الفرس، والباقي كله تفاصيل لا تغير كثيرا!.

إذا ركزت الوزارة على استخراج المعادن وتصديرها خاما، فـ«كأنك يابو زيد ما غزيت»، وكأنهم يعيدون أخطاء الماضي، وما ودنا نتكلم في الماضي!. «أرامكو» كانت تقريبا شركة بترول فقط، فقيمة استخراجها من الأدنى على وجه الأرض، وكان جل تركيزها تصدير الخام، و«سابك» كانت شركة صناعات أساسية، وتستفيد من رخص قيمة اللقيم، وتصدر مواد أولية، إلى أن أتت الرؤية العظيمة، وتحولت «أرامكو» إلى شركة طاقة متكاملة، وبأذرع متعددة، و«سابك» تغيرت من مجرد مواد أساسية إلى إنتاج مواد ذات قيمة مضافة، فنرجو ألا يعاد «اختراع العجلة»، وننتظر سنوات من تصدير المعادن الخام واستنزافها، ومن ثم تتحول الثروة المعدنية إلى صناعة وعملية تصنيعية ذات قيمة مضافة.

لا أريد أن أكرر المثال الشهير أن قيمة تصدير طن واحد من الألومنيوم الخام يساوي «س»، ولكن إذا تم تحويله بأدوات بسيطة، حتى دون تقنية كبيرة، ستتضاعف القيمة، ولو تم تحويله إلى قطع غيار سيارات مثلا، فسيصبح أضعاف ذلك، وإذا تم تحويله إلى قطع غيار طائرات مثلا، فستتضاعف القيمة أضعافا مضاعفة، وهكذا دواليك.

سيأتي كالعادة أناس من جماعة أن الصناعة تحتاج إلى خبرة وبراءة اختراع، والتكلفة عالية في البلد، وتصدير الخام أربح.. إلخ من الكليشهات المعروفة. لكن في المقابل يجب أن تكون هناك نقطة بداية لكل شيء، فالصين وكوريا بدأتا من نقطة ما، ووصلتا إلى مستوى مقبول، بل على العكس، الإمكانات الحالية للسعودية أكبر، والخبرة المتراكمة أفضل، وأيضا الإمكانات التكنولوجية أحسن، فلن نعيد المشوار الطويل نفسه، بل سيكون أقصر، لكن «لازم نبدأ».

أذكر، قبل سنوات عديدة، عندما كنا نكتب ونشجع على استخدام الطاقة الشمسية (وأن السماء ستمطر ذهبا في السعودية)، كما كنا نعنون المقالات، كان يأتي جماعة «القص واللزق» من الدراسات الغربية، ويقولون: تكلفة الطاقة الشمسية غالية ومكلفة.. إلخ، ولم يأخذوا في الاعتبار العوامل الطبيعية والبشرية الموجودة في المملكة، وعندما بدأت مشاريع الطاقة الشمسية حققت المملكة الأرقام القياسية، وأقل تكلفة في العالم لإنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية. طبعا الآن تغيرت النظرة، وكثير من الذين كانوا يعارضون ركبوا الموجة، وطبيعة البعض بمجتمعنا دائما معارض للجديد!.

أما بعض التجار، فيحب الراحة و«ما يحب وجع الراس»، كما يقال، فهو يستورد البضاعة، ويضع هامش ربحه ويبيع!، ليه يدوخ نفسه بعمليات تصنيعية وعمليات جودة وتصدير ومنافسة سوق.. إلخ؟! وكيف أنافس العمالة الرخيصة في آسيا وأمريكا الجنوبية.. إلخ؟. للأسف البعض يعتقد أنه إذا صنع شيئا، فإن السوق السعودية هي ملعبه فقط، ويدعي أن السوق السعودية ليست كافية، بينما حتى الصين على كثرة مصانعها تجدها تستورد البضائع التي تصنعها، لكن من ماركات أو براندات مختلفة. التصنيع لا يعني إيقاف الاستيراد، ولا يعني أن المصنع محكوم بخريطة جغرافية محدودة!، فطبيعة الأسواق والبشر والأذواق هي الاختلاف، فهل بكرا مثلا لو صنعنا سيارات في السعودية، الشعب لن يستورد سيارات من ماركات مختلفة؟!.

اعتقادي أن الخطوة الأهم حاليا إلا يخرج كيلو واحد خام من المعادن من البلد دون أن يمر بعمليات تصنيعية معينة، سواء بسيطة أو متقدمة ذات قيمة مضافة. أعتقد على الوزير والوزارة أن يمسك بحنفية المعادن جيدا، فلا يسمح بخروج أي خام إلا بعد جهد جهيد، ولسنا نطالب بعرقلة التجارة والتصدير، فالمرونة من أهم عوامل نجاح التجارة والصناعة حول العالم، لكن الوزارة قادرة بطريقة احترافية على أن يمر خروج المعادن بعمليات تصنيعية معينة، ويمكن تأسيس العديد من المصانع المختلفة الأخرى تحت مظلة المصانع الكبرى للصهر والمعادن، وتستفيد من مخرجاتها. الوزارة ربما تحتاج لحملة «صيد المصانع» على وزن حملات «صيد العقول»، لتتعاون مع الصناديق الحكومية الكبرى ذات النفوذ الدولي، وأيضا لوزارة الاستثمار التي لها وجود دولي، لاستقطاب المصانع والمشاريع المشتركة.

أتمنى صراحة - ومن قلبي - أن تأتي الوزارة غدا، وتقول: «نحن أد التحديات، وهذه التريليونات الخمسة ستصبح 25 أو 50»!.