تُعدُ الصداقة من المعاني الإنسانية الرائعة والنبيلة والتي لا يمكن أن يستغني عنها أي إنسان سويِ الفهم. وتُعرُف الصداقة في الأدبيات بأنها علاقة اجتماعية وثيقة تقوم على مشاعر الحب والجاذبية المتبادلة بين شخصين أو أكثر دون أي أطماع أو مصالح فردية، وتُبنى على تبادل مشاعر الثقة والاحترام المتبادل، مع الترحيب بتقديم التضحية بين طرفي العلاقة، بحيث يشعر كل طرف نحو الآخر بنوع من الدعم والمساندة في جميع المواقف.

ومن خلال استقراء عميق لصداقاتنا نجد أن هناك أصدقاء عمر، وأصدقاء مرحلة أو درب، وهم كُثر يمرُون مرور الكرام، ويرحلون بصمت، وقليل منهم من يترك أثرًا طيبًا. وبناءً على ذلك أصبحنا الآن نتوجس من الصداقات الطارئة لخوفنا من فقدها سريعًا وانتهاء صلاحيتها أحيانًا بأسباب واضحة، وفي أحايين كثيرة لا نعلم ما هي أسباب انتهائها.

إن الكثير من علاقات الصداقة الجميلة تنتهي بسبب خوف أحد أطراف العلاقة من السطو على أشياء قد يملكها الطرف الآخر، أو تغير اجتماعي طرأ على أحد الأطراف، أو قد يكون سبب انتهاء صلاحية الصداقة نشوء شعور بغيض في النفس يدمر العلاقة بين الأصدقاء، وهذا الشعور الخطير هو الحسد الذي يسمم العلاقات وينهيها.

وبالنسبة للصداقات التي تنشأ في العالم الافتراضي فتشير إحدى الدراسات إلى أن واقع العلاقات الاجتماعية الافتراضية يتسم بالانقطاع السريع وانتهاء صلاحيتها بصورة أكبر من العلاقات التقليدية، نظرًا لأنها تتسم بالإخفاء وهو سمة علاقات الإنترنت التي تعتمد على الأسماء المستعارة التي تخفي حقيقة الأشخاص، كما تتسم تلك العلاقات بالتفكك أي أنها ألحقت الأذى بالعلاقات التقليدية وأدت إلى تفككها بسبب العلاقات الافتراضية، إضافة إلى التمرد وهو من سمات العلاقات الافتراضية حيث يمارس الأشخاص المنخرطون في تلك العلاقات ما لذَ وطاب من الأقوال والأفعال دونما ضوابط أخلاقية أو قيود اجتماعية، وبالتالي فهي أسرع في الانتهاء من علاقات الصداقة التقليدية.

إلا أنه وفي كل الأحوال وبعد انتهاء صلاحية الصداقة يشعر الإنسان بشوقٍ لكل من اهتز قلبه لصداقته، وامتنان لما منحه من حب ومعرفة وحكمة، والأهم من هذا كله معرفة أصحاب المشاعر المزيفة من أصحاب المشاعر النبيلة.

وسواءً كانت الصداقات هي صداقات تقليدية أو افتراضية فإن الضامن الأساسي لديمومتها هو بناؤها على أساس صحيح، وهو الحب الصادق المجرد من المصالح الشخصية أو المادية، كما أنه من المهم جدًا توافر درجة عالية من الثقة المتبادلة في مشاعر طرفي العلاقة، إضافة إلى البعد عن مسممات الصداقة ومن أهمها الظن السيئ وتفسير التصرفات بشكل خاطئ، والله تعالى يقول: (إن بعض الظن إثم).

ولا يمكن أن تكون الصداقة حقيقية إلا إذا أثبت الأصدقاء حبهم في الأزمات، وإلا فإن نهايتها محتومة، وانتهاء صلاحيتها مدون وهو تاريخ بداية الأزمة، إذ كيف للصديق أن يثبت صداقته وهو يهرب في الوقت الذي يكون فيه صديقه في أمس الحاجة إليه، والمثل المشهور يقول: الصديق وقت الضيق.

لذا فلنفكر مليًا ولنسأل أنفسنا... مَن مِن أصدقائنا سيصمد ويأخذ وسام الصديق الوفي، ومن منهم ستنتهي صلاحيته؟.