تحدثنا في الأسبوع الماضي عن العلاقات الصينية - الأمريكية والإشكالات التي تعترضها، وبقي لنا الحديث عن الضلع الثالث في المعادلة الاستراتيجية العالمية الجديدة وهو روسيا.

كان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب يتبنى خطا منفتحا إزاء روسيا، رغم الاتهامات التي وجهت لها بالتدخل في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، لأنه يدرك جيدا أن الصراع الحتمي مع الصين يقتضي تحييد روسيا إن صعبت استحالة ضمها للتحالف الجديد ضد المارد الآسيوي القادم.

بيد أن إدارة بايدن وإن تبنت الطرح نفسه إزاء الصين، فإنها مالت إلى نفس السياسات الأوروبية المناهضة لروسيا من خلال تسليط مزيد من العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية ضد موسكو.

في مقال نُشر، مؤخرا، في الموقع الإخباري الأمريكي المهم «The Hill» يذهب خوسيا هومنسكي مدير مركز مارك روجرز للشؤون الدولية، إلى أن الإدارة الجديدة لم تضع بعد رؤية استراتيجية منسجمة ومتناسقة حول روسيا، ولذا من الضروري أن تلتزم في صياغتها معايير الواقعية الموضوعية بدلا من الانسياق وراء الفرضيات الزائفة.

يطالب هومنسكي إدارة بايدن بإصلاح الخلل الذي مس العلاقات الغربية الروسية في السنوات العشر الأخيرة، التي شجع فيها الغرب الثورات الملونة في المجال الحيوي الروسي ودعم الحركات الديمقراطية الروسية المناوئة للنظام الحاكم. كما أن روسيا التي وجدت نفسها في صراع غير مقصود مع الغرب بالغت في استفزازاتها لأوروبا والولايات المتحدة، ومن أمثلة هذه الاستفزازات تفجير مخزن سلاح في جمهورية التشيك وسجن تاجر سلاح بلغاري سنة 2015 ودعم محاولة انقلابية في مونتنغرو سنة 2016، فضلا عن التدخل في استفتاء الـ«بريكست» في بريطانيا، وفي الانتخابات الرئاسية الأمريكية سنة 2016.

ومن الواضح أن روسيا ترى أنها في صراع مع الغرب، ولذا لا تشعر بالاطمئنان وتتبنى سياسة هجومية وعدائية ضد المصالح الغربية. ومن الخطأ اعتقاد أن روسيا في منحدر الانحطاط، بل إن نظامها السياسي مستقر وحاكمها بوتين من المرجح أن يبقى في السلطة إلى سنة 2036. وقد بينت عدد من الدراسات المنشورة، مؤخرا، مثل كاترين ستونر في كتابها «روسيا المنبعثة» ومايكل كوفمان وأندريا كندال تايلور في دراستهما المشتركة حول «أسطورة الانحطاط الروسي» ( فورين أفيرز، أكتوبر 2021) أن روسيا ستشكل في المستقبل المنظور قوة دولية صاعدة اقتصاديا وسياسيا وعسكريا.

إن هذا التصور الذي نلمسه بوضوح في كثير من الكتابات الأمريكية هذه الأيام، يحثنا على إعادة النظر في مسلماتنا السائدة عربيا حول الانحطاط الروسي، خصوصا أن روسيا قررت في السنوات الأخيرة العودة بقوة إلى الساحة الدولية بدءا من منطقتنا كما هو ظاهر في دورها في سوريا وفي ليبيا وهي اليوم تتطلع إلى استعادة مواقعها السابقة في إفريقيا.

وكما يطرح الكتاب الأمريكيون السؤال الأساسي حول طبيعة العلاقات بروسيا في إطار الصراع الدولي الجديد، فإن الأشكال المطروح علينا هو هل من مصلحتنا ترك روسيا لإيران التي طورت علاقات قوية معها في غياب الاهتمام العربي بهذه الدولة الكبرى، وهل عودتها للمنطقة في مصلحتنا أم ضدها؟