منذ تأسيسها أواخر عشرينيات القرن الماضي، عرفت جماعة الإخوان المسلمين بانتهازيتها واتباع مبدأ «الغاية تبرر الوسيلة»، ولم تخل تجاربها في أي من البلدان التي ابتليت بحكمهم من ممارسات تتسم بالاستغلال لتحقيق تلك الغايات، وأبرز ما تلجأ الجماعة إليه من تلك الأساليب الفاسدة إطلاق الإشاعات لاستهداف الأشخاص الذين ترى أنهم يقفون أمام طموحاتها، وهو الأسلوب الذي يعرف باسم (اغتيال الشخصية).

لم تدخر الجماعة سلاحا في محاربة معارضيها، ولم تتردد عن ارتكاب الموبقات لبلوغ أهدافها، بالقذف والكذب والافتراء، ولم يردعها رادع من ضمير أو أخلاق، فوزعت اتهاماتها الجوفاء يمنة ويسرة، واشتط قادتها وأعضاؤها وفجروا في الخصومة، ولم يراعوا قاسما مشتركا ولم يتحلوا بأدب الإسلام في الاختلاف، لكن كل ذلك لم يجدهم نفعا وكان حصادهم هشيما تذروه الرياح.

في المقابل عرفت رابطة العالم الإسلامي طوال تاريخها، وبالذات في عهد معالي الشيخ الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى بالسعي إلى محاربة الإرهاب ودعم التسامح وتعزيز مناخ التعايش، والتصدي لمزاعم دعاة العنف والتطرف والانعزال والانكفاء الذين ما فتئوا يجترون فتاواهم الضالة التي عفى عليها الزمن وتجاوزها واقع الحال. كما عملت الرابطة على زيادة التنوير والتثقيف بصحيح الإسلام وبذل أمينها العام من الجهد ما استحق عليه تقدير كثير من منظمات العالم المعنية بترسيخ السلام، والتي تسابقت على توجيه الدعوة له لإلقاء محاضرات تثقيفية عن حقيقة الإسلام وموقفه من الآخر، ومنحته جوائز رفيعة.

لم يقتصر الدور الذي قام به أمين عام الرابطة عند هذا الحد، بل إن جهوده أسهمت في تحسين أوضاع الأقليات الإسلامية في الغرب، بعد أن التقى قادة تلك الجاليات وطالبهم بالاندماج في مجتمعاتهم والتفاعل مع قضاياها وتقديم صورة إيجابية عن الإسلام وعدم الانزواء عن الحياة العامة. وفي ذات الوقت بذل جهودا مع مسؤولي تلك الدول تكللت بالاتفاق على تحسين أوضاع المسلمين.

هذه النجاحات الباهرة لم ترض بطبيعة الحال جماعة الإخوان، لأن أفكارها تزدهر فقط في مناخات الجهل ولا تنتشر إلا في الأجواء المغلقة، ولأنها تحاول احتكار الإسلام لمصلحتها، وتزعم- كاذبة- أنها تمثل صوت المسلمين فقد حاولت في مرات كثيرة إعاقة تلك الجهود، وإطلاق الأكاذيب والإشاعات السوداء.

آخر حلقة في سلسلة أكاذيب الإخوان ما رددته الجماعة الإرهابية، مؤخرا، عندما بثت مقطع فيديو لمعالي الشيخ العيسى في افتتاح ملتقى شباب جنوب شرقي آسيا في العاصمة الإندونيسية جاكرتا حول موضوع «دور الشباب في تمثيل سماحة الإسلام ونشر السلام»، ومن المفارقات العجيبة أن ذلك الملتقى أقيم قبل 21 شهرا، وبالتحديد يوم 29 فبراير 2020، لكن الفكر الانتهازي الوصولي لم يتردد في بثه بعد كل تلك الفترة تحت مزاعم يعف اللسان عن ذكرها وأكاذيب لا يمكن لصاحب فطرة سوية وعقل راجح أن يتصورها.

ولمن لا يعلمون فإن عادة قرع الطبول في المناسبات الوطنية أو المؤتمرات المهمة هي عادة متأصلة لدى الشعب الإندونيسي وتوجد كذلك في معظم الدول الإفريقية كتقليد شعبي، والعيسى عندما قام بذلك فإنه لا شك انطلق من رغبته في إرضاء مستضيفيه وجبر خواطرهم، ولا ضير بالطبع في ذلك ما دام لم يخالف نصا شرعيا ولم يتصادم مع صحيح العقيدة.

لكن الجماعة الإرهابية التي تعيش أسوأ فترة في تاريخها الأسود، وتلفظ أنفاسها الأخيرة، حاولت تزييف الحقائق أملا في صرف الأنظار عن واقعها البائس، بعد أن نبذتها كافة الشعوب التي ابتليت بوجودها، مثل مصر والسودان وتونس وتركيا، وضاقت الأرض على قياداتها ولم يجدوا دولة ترضى باستضافتهم.

في المقابل تبذل الرابطة بقيادة ربانها الماهر جهودا كبيرة لإيضاح حقيقة الإسلام، لا سيما بعد أن اتبعت أسلوبا جديدا يعتمد على الوصول إلى الآخرين في أماكنهم، والاستماع إليهم قبل الرد على استفسارتهم، كل ذلك وفق أدب الإسلام في محاورة المخالف، وبالاعتماد على الدليل والحجة والبرهان، وهي تثبت كل يوم أنها جديرة بحمل الرسالة التي على عاتقها، والقيام بواجبها المرجو كمنارة تقدم الإسلام الصحيح وتحرص على تعريف العالم به، وقبل كل ذلك تدفع المسلمين إلى الالتفاف حول إرثهم المشترك.

ولأن عدالة السماء أكبر من فقاعات الافتراء والأوهام، فقد شاءت إرادة الله تعالى، أن ينال الدكتور العيسى جائزة «باني الجسور» العالمية النرويجية خلال اليومين الماضيين، وأكدت لجنة الجائزة خلال حفل التسليم في مقرها بالعاصمة أوسلو، أن معاليه قام بعمل استثنائي في تجسير العلاقة بين أتباع الأديان والحضارات بإسهام رائع وملموس. ووصفته بأنه يمثل (قوة عالمية رائدة للسلام والوئام بين الأمم والأديان، ومكافحة الأيديولوجيات المتطرفة).

الحفل الذي أقيم وسط حضورٍ كبيرٍ من قيادات سياسية وأممية وبرلمانية عالمية، ورؤساء كبرى المنظمات العالمية، وطيف واسع من قادة التنوع الديني والمجتمعي كان أبلغ رد على ادعاءات الظلاميين، فقد تجلى العيسى كعادته وأسهب في وصف عدالة الدين الإسلامي وعالميته وتأكيده حتمية التعايش والتعامل بين كافة البشر.

الحقيقة الواضحة كما الشمس في كبد السماء هي أن حملة الإفك التي قادها التنظيم الإرهابي هي فرفرة مذبوح يعاني سكرات الموت وحشرجة خروج الروح، وأن تلك الجماعة التي أساءت للإسلام وشوهت صورته قد انتهت تماما إلى غير رجعة، ولا سبيل إلى عودتها للمشهد السياسي مرة أخرى، فالشعوب العربية والإسلامية أصبحت أكثر إدراكا للخطر الذي تمثله على مستقبل أجيالها، وأشد رفضا لعودتها. وصدق الله تعالى، القائل في محكم تنزيله «فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض».