الهدف الأسمى من القوانين هو مساعدة الناس وتنظيم حياتهم ومساندتهم، وتنظيم الحقوق والعدالة بينهم، وأيضا تحسين معيشتهم. وإذا تحولت القوانين لغير ذلك، أو أصبحت قديمة ولا تناسب الحال، فوجب تطويرها (والثابت الوحيد في القوانين هو التغيير)، لأنها من صنع البشر، وتُوضع لهدف وزمن وحالة معينة. أما إذا لم تتغير القوانين وتُحدث وتطور، فإنها ستصبح أشبه بالأغلال، وعائقا للتقدم!. الهدف الأسمى للقوانين هو مساعدة البشر، وليس لمجرد وضع قانون لذاته، لذلك نستخدم مصطلح «روح القانون»، فالجسد دون روح يصبح جمادا!.

تشكل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة نحو 95% من عدد المؤسسات في الدول المتقدمة، وتمثل 60-70% من عدد الوظائف!. يعني تعتبر العمود الفقري للاقتصاد والتوظيف في الدول المتقدمة.

لكن ما نسمعه الآن من تشديد على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، والغرامات الهائلة، لا يتفق ولا يتلاءم مع مساندة وتنوع الاقتصاد، وجعل القطاع الخاص يقوم بدوره في التنمية وخلق الوظائف، ولا يشجع الجيل الجديد من الشباب ورواد الأعمال على الاتجاه للعمل الحر والتجارة، وعدم الاعتماد على الوظيفة الحكومية أو القطاع العام!.

بعض الغرامات قد توأد المشروع من أصله، وتُنهي الحياة التجارية، فغرامة واحدة قد تحصد دخل عدة أشهر، هذا إذا لم يعلن الشاب إفلاسه، وربما يتحمل ديونا، وقد يكون دفع «دم قلبه» في المشروع!، وفي هذا وأد لأحلام بعض الشباب السعودي النشط المتحمس، وأيضا وأد لأحلام من قد يرغب أو يفكر حتى أن يدخل المجال التجاري!.

عدم وضوح بعض القوانين، وطريقة تطبيقها، قد يضر الاقتصاد السعودي، وهذه مشكلة كبرى. نحن متجهون حاليا للتطور، والتحول لنموذج مقارب للدول المتقدمة في الاقتصاد، أي أن المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ستشكل عمود الاقتصاد وعصبه، وإذا صعبنا الظروف على هذه المؤسسات وأصحابها، فإننا قد نؤخر التحول الاقتصادي المأمول!. الرؤية، بإستراتيجياتها وتطلعاتها، توفر الدعم والزخم للتنوع الاقتصادي، وريادة الأعمال، ودعم الشباب والاقتصاد الحر والقطاع الخاص، لكن غرامة واحدة من إحدى الجهات الرقابية قد تخنق المؤسسة أو المحل أو العمل التجاري، خصوصا أنها ليست بسبب كارثي أو سلامة أو متعلقة بحياة الناس، بل بعضها إجرائي أو ورقي.

هذه المؤسسة أو المشروع الصغير يعيل أسرة أو أكثر، وأي خطأ غير مقصود أو غير مؤذٍ يمكن تعديله قبل فرض غرامة كبرى، قد تؤدي إلى تحطيم مستقبل شاب، أو وضع أسرة في ضغط شديد لعدة اشهر. شركة كبرى قد لا تؤثر فيها الغرامات، بل ربما يوجد بند لجدولة تسديدها تلك الغرامات، بينما مشروع جديد صغير، ما زال يحبو، ربما تسبب له، مجرد غرامة واحدة، شللا!.

البعض يفهم تطبيق القوانين بطريقة خاطئة، ويعتقد أن كثرة القوانين وتشديدها مفيد، بينما المرونة هي ما تجعل القانون أكثر ملائمة لحياة البشر.

أذكر مثالا قبل سنوات في أحد المعارض، بينما كنت بين جنبات إحدى المؤسسات الحكومية، قال ليّ المشرف على تلك الجهة مفتخرا: نحن أصدرنا قوانين وتنظيمات حتى أكثر من الجهة العالمية «الفلانية»!، قلت له - وكأن ردي فاجأه: أنا كنت آخذ فكرة حسنة عن مؤسستكم، ولكن الآن تغيرت نظرتي!.. هذه الجهة العالمية من الأكثر صرامة، فإذا زدتم عنها، فمعناه أنكم تشددتم أكثر من اللازم!.

حتى على مستوى الحياة، وحتى الدين، التحريم سهل، لكن التحليل والقياس هو الذي يحتاج إلى سعة علم ومعرفة وفقه.

بسهولة أستطيع الآن أن أضع قوانين متشددة تكبل الناس، وأقول إن قوانيني الأكثر صرامة على مستوى العالم!.

الفقير إلى ربه، كاتب المقال، كنت في لجان كثيرة، لوضع قوانين وتشريعات صحية، وتبنتها عدة دول، وكان معنا في اللجان محامون ورجال قانون عالميون، وربما يتوقع الواحد أنه لما تكون هناك أسماء كبيرة دولية في القانون بهذه اللجان، فإن التشريعات والتنظيمات ستكون متشددة، لكن أذكر جيدا أنهم كانوا يتمتعون بالمرونة والذكاء، ورؤية المواضيع بأكثر من زاوية، حتى تخرج الفقرة أو القانون مرنا، وفي الوقت نفسه، ذكيا، حتى لا توجد ثغرات فيه أو يمكن التحايل عليه. وأذكر بعض الأعضاء يقول: نمنع هذا الشىء مثلا، فيرد بعض القانونيين: ما هو الشىء الذي يثير قلقك منه؟، فيسرد تحفظاته، فيفصلون فقرة أو قانونا رشيقا مرنا، وفي الوقت نفسه، يغطي كل التحفظات والفجوات.

لكي تكشف عن صواب القانون أو التنظيم، يجب أن تسمع وتستمع لآراء الناس والمستفيدين منه، وتأخذ آراءهم وتحفظاتهم بعين الاعتبار، ومن ثم تكون عملية تطوير مستمر بالقوانين!. وفي نهاية المطاف هي قوانين بشر، تحتمل الصواب والخطأ، والتعديل والتطوير.

والحمد لله نحن الآن في المملكة بخير ونعمة، وأرقامنا الاقتصادية ممتازة، وبدأنا نرى فائضا، والمستقبل أفضل، وهذه القوانين وضعت من الحكومة كتنظيم، وليس جباية أو تعقيدا.

أنا شخصيا تعودت في صغري وشبابي، وكما غيري من أهل الرياض، على مدرسة سيدي الملك سلمان - حفظه الله - عندما كان أميرا للرياض، حيث كانت سياسة «الباب المفتوح» عمليا، ونروح لعمنا وشيخنا «أبو فهد»، ونحكي له بكل صراحة كل ما في خاطرنا، وكل العوائق التي قد يواجهها أحد سكان الرياض، وكالعادة يحلها بحكمته ورجاحة عقله، ويزيل المعوقات مع كل الجهات، سواء حكومية أو غيرها. وبصراحة ملكنا «أبو فهد»، وبعد أن تولى الحكم – أدام الله عزه - استمرعلى عادته، وقال في أكثر من مرة: «كلمة أكررها دائما، رحم الله من أهدى إلي عيوبي.. إذا رأيتم أو رأى إخواني المواطنين، وهم يسمعونني الآن، أي شيء فيه مصلحة لدينكم قبل كل شيء ولبلادكم، بلاد الحرمين الشريفين، الذين نحن كلنا خدام لها، فأهلا وسهلا بكم، وأكرر أبوابنا مفتوحة وهواتفنا مفتوحة وآذاننا مصغية لكل مواطن».

هذه هي مدرسة سيدي «أبو فهد»، وهذا ما شبيت عليه، وسأشيب عليه - إن شاء الله.

للأسف الآن نسمع عن بعض الجهات الحكومية تثور من النقد، ولا تتحمله، وتسلط أجهزتها القانونية، لمطاردة من ينتقد أداءها!، والمواطن يدور السلامة، وما يدور المحاكم والقضايا ووقت طويل وجلسات، وأيضا تكاليف مالية وضغط نفسي.. إلخ.

وبعض هذه الجهات الحكومية قد تستغل إمكاناتها في إسكات النقد عنها!، لذلك نتمنى من «نزاهة» الالتفات لهذا الموضوع، ويجب ألا تستغل أي جهة حكومية إمكاناتها وقدراتها وميزانياتها وجهد موظفيها في محاولة ملاحقة مواطن، ينتقد بكل منطقية وأدب.