صديقة لنا كنا نسمع أخبارها بعد انقطاع وهروب من حياة زوجية فاشلة، تناهى إلى أسماعنا أنها حصلت أخيرا على فرصة وظيفية لا بأس بها في إحدى مدن المملكة الساحلية، بعد بحث طويل - بالطبع - تدخلنا جميعنا فيه، بشكل أو بآخر من أجل المساعدة.

يبدو أن صديقتنا أخذتها حماسة الاستقلال بالعمل والتحول إلى (سوبر وومن) خصوصا وأن أطفالها ليسوا في حضانتها.

وافقت الفتاة على الهرب من مجتمعها القديم للحصول على حياة جديدة عل وعسى أن تُفتح لها نافذة القدر، مقابل مرتب لا يتجاوز الـ 4500 ريال -شاملا جميع البدلات - في إحدى القطاعات الخاصة.

في البداية بحثت عن سكن مشترك كمرحلة انتقالية إلى أن تجد مكانا مناسبا قريبا من موقع عملها يوفر عليها قيمة المشاوير.

بحثت المحاربة مطولا لكي تجد مسكنا لكنها وجدت نفسها أمام خيارين، إما سكن مجهز بالكامل، وهذا يعني تكلفة مادية عالية بواقع إيجار شهري يتراوح ما بين ( 2000-2500 ) ريال، أو سكنا فارغا، وعليها وفقا لذلك دفع مبالغ أخرى لجعله قابلا للعيش، لذلك رضخت للخيار الأول هربا من تكاليف إعداد منزل من الصفر.

وبعد أشهر من البحث وجدت أن أقل سعر للسكن في المنطقة القريبة من مقر العمل يقتضي دفع إيجار شهري بمبلغ 2000 ريال! هنا نتكلم عن مسكن (على قد الحال).

بعد أن اختارت أن تستقل عن شريكتها في سكنها الخاص، مر شهر ثم الثاني بدأت تشعر بثقل الحكاية، أسقطها الإحباط في حباله، صار عليها حساب الهللات التي تخرج من حسابها الشخصي بدقة، بدا الأمر مثل حرب حقيقية مع ضيق ذات اليد. إذ تطلب الأمر أيضا أن تضع في الحسبان قيمة فاتورة الهاتف والإنترنت والغاز بما يقارب الـ 500 ريال، وقيمة المشوار اليومي للعمل بالقيمة نفسها، ومصاريف التموين الغذائي الشهري حوالي 400 ريال، ومصاريف بعض الأدوية الشهرية والاحتياجات النسائية، هذا يعني أن المتبقي للسيدة المغلوبة على أمرها حوالي 900-700 ريال مصروفات لبقية الشهر!.

وبالتفكير في إمكانية دفع شيء للترفيه - على سبيل المثال لا الحصر- فإن صديقتنا سيتعين عليها إلغاء الفكرة أو تأجيلها!، وهذا ليس بمستغرب، حيث إن ورقة من فئة الـ 50 ريالا ما إن تهرب من الميزانية المتبقية بالطبع ستحدث ثقبا في ذلك الجدار لا يمكن سده حتى آخر الشهر.

وبالعودة إلى أعداد الذين يعتاشون من رواتب متدنية بالطريقة نفسها التي تعتاش منها صديقتي المحاربة (كما نسميها)، فالأمر يدعونا حتما للتوقف ثم للتفكير في ضرورة رفع الحد الأدنى للرواتب، من 4000 إلى 6000 ريال، بما يتناسب مع متطلبات الحياة الآن، وتماشيا مع المتغيرات والمستجدات وارتفاع أسعار السوق الحالية.

إذ لا يمكن لمواطن شريف وطموح أن يتطلع لحياة كريمة البدء براتب منخفض إلى هذا الحد، دون التعرض للإحباط والانهيار، أو تحمل أعباء الديون لسد احتياجاته في مستواها الأدنى. وهنا إذ نأمل، نتحدث عن أي شخص، سواء أكان في مقتبل العمر، أو ممن هم في حاجة ماسة للعمل لإعالة أنفسهم أو حتى أهليهم ومنازلهم.

السؤال الذي يراودني كلما مرت صديقتي في ذاكرتي، وكلما صادفت أحدا يعاني من تلك الشريحة:

ألا يمكن النظر بعين متفحصة في أهمية زيادة مرتبات السعوديين والسعوديات، بما يمكن أن يوفر لهم حياة كريمة في ظل التغييرات الاقتصادية المتسارعة نحو 2030؟ أما آن الأوان لذلك!.