يكبر الإنسان ليتجاوز سن الطفولة ويدخل في مرحلة المراهقة شديدة الحساسية، متنوعة الاضطرابات، مليئة بالحيرة والشتات..

فهي فترة زمنية تكمن صعوبتها في فهم الإنسان لذاته فيها، وتعرفه على التحولات المختلفة التي يعيشها يوميا مع نفسه، «بداية من جسده، مروراً بعقله، وقلبه، وصولاً إلى ثقته بنفسه» وغيرها من مشكلات الصراع الذاتي الذي يعيشه المراهق والمراهقة كل يوم.

وعلى العائلة أن تعي هذه الصراعات لكي تعرف كيف تُدير علاقتها جيدا ببناتها وأبنائها خلال هذه المرحلة الحساسة، وتكمن حساسيتها في كونها تشكل نقطة تحول كبرى في حياة كل إنسان، فإما أن يخرج منها الشخص نحو أقصى اليمين أو اليسار، وإما أن يخرج للعالم شاباً صالحاً مُتسقاً مع العقلية المناسبة للحياة.

ومُجمل هذه الصعوبات التي تمر بالمراهق والمراهقة هي: «صراع الشهوة باكتمال الجسد وبلوغ الحلم، وصراع الشبهة باكتمال العقل وثوران الأسئلة وعدم وجود القدوة الصالحة، وصراع الثقة بالبحث عن إثبات الذات حتى لو بالطُرق الخطأ! وصراع الاكتشاف بالتطلع لمعرفة كل شيء وتجربة أي شيء من دون اعتبار العواقب!».

فيجد المراهقون أنفسهم غارقين في بحار ظلمات هذه الصراعات، فالجسد ينمو بشكل متسارع جداً، ولذلك نلاحظ أن أكثر سقوطنا على الأرض كان في زمن المراهقة، لأننا لا نجد الوقت لحفظ أبعادنا ومسافاتنا المناسبة بسبب تغيرات أجسادنا السريعة.

ويجدون أنفسهم محتارين في صراعات الشبه وأسئلة الوجود! والبحث عن المعنى، والسؤال عن الأسرار؟ وغيرها من التساؤلات التي إذا لم يجدوا لها إجابات شافية سليمة وافية سينحدرون إلى مسارات مجهولة! وتحولهم من الطفولة إلى الشباب يجعلهم يشعرون بتغيرهم، ويحسون باختلافهم، ويبحثون عن إثبات ذواتهم أمام أهاليهم أولاً، ثم المجتمع، وهنا مفترق الطرق فإذا لم يساعدونهم في بناء هذه الثقة ستهتز! وحينها قد تؤثر على حياتهم- سلباً- طوال العمر.

وكل هذه الصراعات خطيرة إذا لم تجد من يضبطها ويُوجهها نحو المسار الصحيح، ولكن يظل أخطرها هو صراع الاكتشاف، ففي هذه المرحلة يعشق المراهقون تجربة كثير من الأشياء من باب الفضول أو التقليد أو الظن أنها أمر مؤقت لا يعون عواقبه، ولكن ربما شيئا منها قد يضر بهم في حياتهم كاملة، ومن ذلك قول أكثر المدخنين، إنهم جربوه في سن المراهقة فتحول لإدمان مدى الحياة.

حكمة المقال

استيعاب العائلة صراعات المراهق وتقلبات المراهقة أمر مهم في بناء أجيال صالحة تبني المجتمع.. ولكن على المراهقين ألا يجعلوا هذه الفترة أيضاً شماعة يعلقون عليها أخطاءهم! فهم بمجرد البلوغ مسؤولون أمام الله عن جميع أفعالهم.