الاحتراق الوظيفي قد لا يكون تشخيصا طبيا متعارفا عليه للجميع، ولكنه بالتأكيد مشكلة صحية ونفسية يجب الاهتمام بها. وخلال عامين من التعامل مع الجائحة وجد كثير من العاملين في مواجهة الجائحة أنفسهم أمام ضغط جسدي ونفسي كبير، ولعل هذا أحد الأسباب التي جعلت بعض الدول تقلص أيام العمل الرسمي لتعطي مزيدا من الراحة النفسية لموظفيها.

إن التعامل مع الجائحة أعطى دروسا عدة من أهمها أن العمل عن بعد ممكن ويحقق ربما نفس النتائج، كما أن الدرس الثاني كان إعادة تقييم كثير لأولوياتهم لا سيما فيما يتعلق بالتوازن بين العمل وجوانب حياتهم الأخرى، أما الدرس الثالث، فكان أن الجائحة شكلت تهديدا حقيقيا للجميع، وأعطت حقيقة واحدة وهي أن الجميع يعيش مرة واحدة، وتسبب هذا التهديد في أن كثيرا من العاملين تجاوزوا مخاوفهم التي كانت تعيقهم عن تحقيق ما يرغبون فيه منذ زمن طويل فارتفع معدل الاستقالة وعودة الموظفين للعيش مع عوائلهم.

ولهذا فإن استمرار الجائحة أو ظهور كوارث صحية أو بيئية أخرى هو سبب مهم في توخي الحذر وأخذ الحيطة في عملية اتخاذ القرار لا سيما في وطننا العربي الذي يتم فيه اتخاذ معظم القرارات بناء على معلومات غير مكتملة أو أحادية الجانب. وكما يقول هربرت سايمون «إن عملية اتخاذ القرار ليست عملية عقلانية كما نراها، ويعود ذلك إلى أننا نتخذ قراراتنا بناء على معلومات منقوصة»، كذلك علينا أن نتذكر أن الوضع النفسي الذي نعيشه يلعب دورا كبيرا في عملية اتخاذ القرار، ويتضح ذلك جليا أنه وخلال أسبوع تضاربت القرارات بين الدراسة الحضورية والدراسة عن بعد.

إن العلاقة بين الجائحة التي نعاني منها منذ أكثر من عامين والحالة النفسية للمجتمع أثرت بشكل كبير في كثير من القرارات، ولعلنا نؤكد هنا أن القرارات ثنائية الاتجاه كانت ناجحة مقارنة بأحادية الجانب، ونعني بثنائية الاتجاه هي تلك القرارات التي يكون الرجوع عنها سهلا ولا تتطلب هدرا في الوقت والمباحثات والاجتماعات، بل يتطلب الأمر تجربتها، ومن ثم الاستمرار بها أو العودة عنها، وذلك حسب ظروف الموقف.

أما القرارات الأحادية الجانب، فمن الأفضل قبل اتخاذها أن يتم التقييم والمشاورة، حيث يصعب لاحقا الرجوع عنها كما أن الرجوع عنها يعني تخبط المؤسسة. ولاتخاذ القرارات الأحادية الجانب يفضل الاستعانة «بمحامي الشيطان»، وهو الاستعانة بأشخاص آخرين تعلم يقينا أنهم سيعارضونك وسيواجهون تحيزك لقراراتك، ومثل هذا النوع من اتخاذ القرارات هو نوع من الأمان والسلامة للقرار، لا سيما وأنت تناقش أفكارك مع أشخاص قد لا يتوافقون معها ويظهرون لك الجانب المظلم لوجهة نظرك وافتراضاتك.

كما أن التريث والاستعانة بالآراء المخالفة قبل عملية اتخاذ القرار الأحادي سيسهمان بشكل كبير في عملية تحسين المعلومات التي يتم الاعتماد عليها لاتخاذ القرار وسيجنبان متخذ القرار الاعتماد على معلومات أحادية مغلوطة أو التأثر بالحالة النفسية والضغوط المفروضة عليه.

كذلك فإن الاستعانة بآراء الآخرين ستحسن عملية التواصل الفاعل مع المعارضين وتعالج الغموض حول ذلك القرار.