الوصول للنجاحات والإنجازات وتفسيرات ومعاني كلمة «الوصول» كافة، في الوضع الطبيعي تحتاج لكثير من الجهد والوقت والمهارات والإصرار والتدريب.

فالكفاءة والإمكانيات هي ما سينتصر في النهاية. ولكن في كل بقعة بعالمنا الاجتماعي، تطغى الشللية على كل ما سبق ذكره.

كانت التحزبات والشللية موجودة بكل تأكيد في السابق، ولكن مع زوبعة الحياة ونمطها الجديد، وسطوة شبكات التواصل الاجتماعي، تعززت هذه الفكرة وتوغلت في كل تفاصيل حياتنا بشكل مخيف، لدرجة حرمان البعض من الفرص المستحقة، بسبب عدم وجوده في شلة، ومجموعة قادرة على إيصاله لما يستحق.

هذا النوع من التحزب والشللية، ليس مقصورا على مجال دون آخر، بل هو داء ينخر في المجالات كافة. لن أتحدث عن شللية المجتمع الوظيفي، فقد أحتاج هنا لعدد صفحات يفوق صفحات مقدمة ابن خلدون.

أما عن باقي المجالات، فنجد أطباء أو محامين أو حتى مهندسين، يسوقون لبعضهم فيما بينهم، ويحاولون البروز سويا، وإيصال مغزى ورسالة بأنهم هم فقط المتعمقون في المجال المراد طرحه دون غيرهم.

وحتى في الجوانب الفنية والغنائية والمسرحية، فكم من موهبة وئدت بسبب الشللية، فثمة أصوات فنية مبهرة، وكتاب مميزون، وملحنون موهوبون، لم ينجحوا في إيجاد حيز ومساحة لهم، نظرا لتضييق المساحة عليهم من قبل التكتلات الفنية الموجودة، التي تريد اكتساح الساحة، فلا مجال للدعم طالما كان خارج إطار «الشلة».

لا شك أن وسائل التواصل الاجتماعي تمتاز بقدرتها على تفتيت الجمهور، وفتح نوافذ وآفاق أكبر للجمهور بالمشاركة، وكسر ظاهرة الاحتكار.

إلا أنها وفي الوقت ذاته لم تخل من فخ الشلة، خاصة فيما يتعلق بسوق الإعلانات والمناسبات الكبيرة. فثمة أشخاص مؤثرون هم القادرون على توجيه البوصلة، وإبراز وتسويق من يكون ضمن دائرتهم، وعدم التفاعل مع أي محتوى لا ينتمي إليهم، حتى لو كان مميزا.

فالإشكالية الأزلية في الشللية ليست بمحاربة المواهب المميزة فحسب، بل هي تمنح لمن لا يملك الكفاءة أيضًا فرصة في البروز. ولهذا أصبح طموح الكثير من الأشخاص أن يتمنى فقط الانضمام إلى تلك التكتلات، حتى يضمن بقعة ضوء تمنح له.

ومما يزيد قباحة الشللية، أنهم أحيانا يمارسون إقصائية لمن لا يكون ضمن ركب فريقهم. ويحاولون بشتى الإمكان إجهاض أي محاولة للسباحة خارج بحرهم.

ولا أذيع سرا حينما أقول إن البعض منهم امتاز وباقتدار بسرقة أفكار ومحتوى تلك الفئة الغائبة عن الأضواء، واستنسخوها ونسبوها إلى ذواتهم، وقدموا ذواتهم على أنهم (خبراء) في ذلك المجال.

الكرة قطعا لن تكون في ملعب تلك الشللية التي تزداد جشعا مع تزايد المغريات، لكن الكرة بشكل أساسي تقبع في ملعب المتلقي الذي يجب أن يمارس معيار الفرز فيما يقدم.

وإذا روج محتوى يروج له من قبل أشخاص بينهم قواسم مشتركة، يجب أن يلتقطه راداره، ويدرك أن ما قدم لا يعدو عن كونه محاولة (تزبيط خويهم) فلا تنخدع.

الجانب المشرق من تلك الظاهرة، هو وقوف أصحاب المجموعة الواحدة مع بعضهم، ويساهمون بتعاونهم هذا في نجاح الجميع.

لكن ألا يكون هذا التعاون على حساب أشخاص آخرين مجتهدين، يحاولون ولا يجدون فرصتهم بسبب عقدة القروب الواحد!.

يقول غازي القصيبي في كتاب حياة في الإدارة: «لا شيء يقتل الكفاءة الإدارية مثل تحوُّل أصحاب «الشلّة» إلى زملاء عمل!».